لهم، ولم يردْ خلقَ الضلال فيهم على وجه الابتداء والجزاء، فبانَ أنه لا
تعلق لملحدٍ ولا لقدري في ذلك.
وأمَّا تعلُّقهم بقوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، وإن هذا نقض لإخباره أنه خلق المعاصي وقدرها، وأضل أهلَ الضلال، وختَم على قلوبهم، فإنه ليس الأمرُ فيه على ما توهّمه الملحدون والقدرية في هذا الباب، وذلك أنه إنما أراد بهذا القضاء الأمرَ بعبادته والوصية بذلك، وذُكرَ أن عبدَ الله بنَ مسعودٍ كان يقرأ "ووصى ربُّك ألا تعبدوا إلا إياه"، وأنه كذلك مثبتٌ في مصحفه، وهذه الوصية عامةٌ للكافرين والمؤمنين، وذلك لا ينقضُ أن يكون قد قضى معاصيه والكفر به على معنى الخلق لذلك، والإعلام لكونه، والكتابة له، والقضاءُ يكون بمعنى الأمر وهو قوله (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، أي: أمرَ ربك، ويكون بمعنى
الخلق والإيجاد، نحوَ قوله: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ).
أي: خلقَهن، ونحو قوله: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ)، يريد خلقنا موتَه، وقد قيل القضاءُ نفسُه بمعنى الموتِ
ومنه قولُهم: نزلَ به قضاءُ الله، وقضى فلان نحبَه إذا مات، ويكون القضاءُ
بمعنى الإعلام والإخبار قال الله تعالى: (وَقَضَتنَآ اكَ بَنِىَ (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤).
أي: أعلمناهم وأخبرناهم في الكتاب كقوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) إنما يعني به أنه أمرَ بذلك، وهذا لا ينفي قضاءه للكفر، والخلافُ على معنى التقدير والخلقِ والإيجاد فبطلَ توهمهم وتوهُّمُ القدريِّ لانتفاعه بهذه الآية.
وأما تعلُّقهم بقوله: (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)، فإنه أيضا لا معارضةَ بينَه وبينَ إضافة ذلك إلى الله تعالى وبينَ