إخباره بانّه خلقَ الوكزة وما كان عندها، وذلك أنه إنّما أراد بقوله: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) أنه يأمر به الشيطان ويُزيِّنُه ويدعو إليه ولم يرد أنّ الوكزة من خلق الشيطان وفعلِه وتقديرِه، وكيف يقول ذلك وهذا جهل ممن صار إليه وقاله، وليس مذهب لأحد، وليس يجبُ إذاً نسبةُ ذلك إلى الشيطان، على أنّه من دينه وما يدعو إليه، أن يكون ذلك منافيا لإضافة خلقه وتقديره إلى الله، فثبتَ أنّه لا حجّة لملحدِ ولا لقدريٍّ في التعلُّق بهذه الآية.
فأمّا تعلُّقُ الملحدة والقدريّة بقوله تعالى: (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ)، وقوله: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ).
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)، الآية.
فإنّه لا تعلُّق لهم أيضًا فيه، لأنه أراد بالآيتين المتقدمتين أنّه لا يحبُّ الفسادَ
لأهل الصَّلاح ولا يرضى لعباده المؤمنين الكفر، ولم يرد أنّه لا يرضاه لأحدِ
من خلقه ولا يحبُّه من أحدٍ منهم، وكيف يكون ذلك كذلك وهو يقول:
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ)، ويقول: (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا)، ويقول: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا)، فدلت هذه الأخبار على أنّه لم يرض لعباده المؤمنين الكفر، ولا يحب منهم الفساد، وإن كان قد أحبَّ ذلك ورضيَهُ لأهل الكفر والفساد، ومن نحو هذا قولُه: (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ)، وقوله: (يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)، وقوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ)، وكل هذا على الخصوص دون العموم، وكذلك حكمُ الآيتين.
ويمكن أيضاً أن يكون إنما أراد واللهُ لا يحب الفساد أن يكون صلاحا
ودينا مشروعا، ولا يرضى لعباده الكفر أن يكون دينا لهم وشرعاً مأذونا فيه، وأنّه رضيَ أن يكون قبيحا مذموما فسقط بذلك ما قالوه.