التمسك به، يؤدون عليه الحريّة ويقيمون على الذلّ ولا ينزلون عن اعتقاد ما هم عليه وإظهاره برغبة أو برهبة، فلمّا كانوا مع الختمِ والطبعِ وتغشيةِ
القلوب والأبصار قادرين على الكفر الذي دخلوا فيه ومختارين لترك الإيمان
وكارهين لفعله وعلى صفةِ من لو أراد الإيمان لوقع منه ولو كرهَ الكفر لتأتَّى
له تركه والخرٍوج عنه، ولم يكن مع فعل الطبعِ والختمِ عاجزاً عن فعل ما
أُمر به ولا ممنوع منه، ولا مُحالَ بينَه وبينَه ولا مخبول منتقص، ولا ممّن
يتعذر عليه الاستدلالُ على الصواب الذي رغَب فيه وفسادُ الباطل الذي
اختارَ الدخولَ فيه -، بل آلته تامة ومعارفُه كاملة، والأدلةُ المنصوبةُ له
واضحة، صحَّ لأجل ذلك أجمع أن يقال لهم (فَما لَهُمْ لَا يُؤمِنُونَ)، (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى)، (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا) ونحو هذا، لأنّ لا يظنَّ ظان ويتوهم متوهم أنّهم مجبرون
على الكفر غير قادرين عليه، ولا مختارين لتركِ ما أُمروا به ولا راغبين
عنه، وأنهم ممن لو حاول الإيمانَ والنظرَ في الاستدلال لتعذّرَ منه وامتنعَ
عليه، ومعاذَ اللهِ أن يكونَ ذلك كذلك وأن يكونوا عجزةً أو مُجبرينَ على ما ظنه الملحدة والقدرية، أو أن يكون تكليفُهم لفعل الإيمان وصحيح النظر
والاستدلال، بمثابة تكليف المُقعد القيامَ والأخرس الكلامَ والضرير تنقيطَ
المصاحف وإدراك المرئيات، وتكليفَ الناس عِلم الغيوب ومعرفةَ ما كان
ويكون مع قصد السبيل وعدم الدليل، وكيف يكون ذلك والأدلة على
التوحيد لائحة باهرة موجودة ثابتة، وكمالُ عقل الكافر موجود كائن، ومعه، من كمال العقل والآلة - ما يصل به إلى معرفة الغوامض واستخراج اللطيف والدقائق، وحجاج المحتجين ومغالطة كثير من المؤمنين، والحذق في
الجدال يوالبيان يوم الخصام والإعراب عما في النفس والغلبة والإلباس في