الانتصار لباطله وبمجيئه حق خصمه، وكيف يكون مَن هذه حالُه ممنوعاً من
النظر ومُحالاً بينَه وبينَ صحيحِ الفكر والرؤية.
وإذا كان ذلك كذلك كان جميع ما أخبر الله أنه فعلَه بالكافرين من
الختمِ والطبعِ والإضلال لم يصرفهم إلى حال العجزة الممنوعين والأطفال
المنتقصين، ولا إلى صفة المكرهين المجبرين على فعل ما نُهوا عنه، وكونُهم
غيرُ قادرين عليه، ومؤثرين له على ضده حسن، لأجل ذلك أن يقول لهم:
(فَما لَهُم لَا يُؤمِنُونَ)، (وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ)، (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)، (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا)، أي أن ما فعلتُه من
ذلك ليس بعجزٍ عما كُلِّفوه ولا منعَ لهم ولا مبطلَ لكمال عقولهم وآلتهم ولا
رافعٍ لقدرهم على فعل ما دخلوا فيه، وترك ما أمروا به، وهذا بين في إبطال
ما توهمه الفريقان، فإن قالت الملحدة والقدرية: فالإنسان المختوم على
قلبه الذي خُلق في قلبه الكفر وضُد الحق قادر عندكم على الحق وعلى فعل
الإيمان حتى يصح أن يُوبخ على تركه ويستبطىء في تأخره عنه.
قيل لهم: إن نفسَ قدرتهم على الكفر هي قدر على الإيمان وإنّها
تصلح للضدين وتكون قدرةً على الفعلين الخلافين، وإنّما يكتسب بها ما
تؤثر القادرَ على الفعل دون الذي يأباه ويكرهه.
فإن قالوا: فكان يمكنه أن يفعل بقدرة الكفر الإيمان، قيل لهم: أجل
على هذا الجواب، غير أنه اختار الكفر على الإيمان، فتصرف بقدرته في
فعل أحد مقدوريه، وإذا كان ذلك كذلك زال جميع ما تشبعون به وتشنعون.
فإن قالوا: أفيمكنه أن يجمع بقدرته بينَ الإيمان والكفر الذي اكتسبه
وخلق فيه، قيل لهم: لا، كما لا يمكنه عندكم أن يجمع بين الإيمان والكفر