أهلِ الحق، وصار الحقُّ أكثر شبهةِ المثبتة والبخاريّة مهجوراً، وصار صاحبُه
خائفاً حذراً، وصار حقُّه مغموراً لا يقدر عليه أن يظهره بينَ العامة، وعند
كثير من الخاصّة، ولا في الجوامع والمساجد والثغور والمواسم أمرٌ بَيّنٌ لا
خفاءَ به، وهو من أدل الدليل على كذب القدرية والمعتزلة في تسميتهم
خصومَهم في هذه المذاهب حشوٌ وعامّةٌ ونائبه.
وعلى أتباعِهم عند تضايق الأمر بهم سبيلُ إخوانِهم الملحدة في تسمية
كافة المسلمين والملتين طغامٌ وحشوٌ وعامة، غير موهنٍ لحقِّ المثبة ولا حاط
عند ذي تيقُّظ وتحصيل عن رتبة التدقيق والحذق، وإيراد ما يُذهل القدرية
ويُخرسُ المعتزلة، ويملأُ قلوبَهم وصدورَهم غيظا وخنقا، ويحذرون محه
على نفوسِهم ومهجتهم من تخطُف العامة والدّهماء لهم في قولهم: إنّهم
يخلقون كخلق الله ويصنعون كصُنعه ويَنْفَردون بتقدير أعمالهم وإنشائها دون
ربِّهم ويكون ما يؤثرون ويشاؤون، ولا يكون ما شاء الله مع قول الأمة ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
فأمّا الملحدون فلا ينبغي أن يقبلَ من مطاعنهم واعتراضاتهم ما يصيرون
به إلى قول بعض المتكلمين من المسلمين، لأنّه إذا صاروا إلى ذلك تركوا
الإلحادَ والطعنَ على النبوة والقرآن، وإنّما يجبُ أن تكون مسائِلهم
واعتراضاتهم أموراً تبطل دين المسلمين جملة، ويقدحُ في سائر مذاهبهم.
لأنّهم لا يقصدوا ذكرَ هذا التناقض والاختلاف الذي يظنّونه في القرآن لإبطال مذهب المثبتة دون مذهب القدريَّة، وإنّما قصدوا الإدخال على الجملة وضمنوا بما أوردوه إبطال القرآن والتوحيد والنبوءة، فإذا صاروا إلى نصرة بعض مذاهب المصلين إلى القبلة فقد عجزوا عما ضمنوه وظهر بغضهم تخلفهم، وكذلك فمتى سالوا عن آية وشيء من القرآن متوهمين - فساده