فأما قوله: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، فلو حُملَ
على أنّه خلق لكل أهلِ دين دينَهم وما هم عليه وطريقتَهم، لما أخل ذلك
بصحة القرآنِ ولزومِ التكليف، وحصولِ البيان على ما قد ييّناه من قبل.
ولكن ليس هذا هو القصد، وإنّما أرادَ بالشرعة ما شرَعه لهم وتعبدهم به.
وهذا الجعلُ بمعنى التعبد، وتقدير الأديان وتوظيف الفرائض والعبادات.
وليس من خلق الفعل في شيء فبطل ما قدروه.
وأما تعلُّقهم بقوله: (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)، فإن حُملَ ذلك على أنه خلقَ عداوةَ بعضهم لم يُخرجَهم ذلك عن
التكليف إلى يوم القيامة، وإمكان النظرِ والاستدلال وتأتِّيه وقيامِ الحجَّة
عليهم، ولزومِها لهم على ما بيناه من قبل، وإن حُمل على أنّ معنى ذلك أننا
ألقينا بينَ ضروبِ أهل الكفر التعادي على كفرهم، وتبري بعضهم من بعض، لم يكن ذلك عند أحدٍ قبيحا ولا ظلما، فكأنه ألقى في قلوب اليهود عداوةَ
النصارى على القول بالتثليث، وذلك عداوةٌ لباطل، وألقى في قلوب النصارى عداوةَ اليهود والمجوس على شتمِ المسيح وتكذيبه والقول بالنور والظلمةِ وذلك عداوةٌ لباطل، فكأنَّه على هذا الفرق ألقى بينَ أهل الباطل. الذين ذمهم على التعادي على باطنهم ولم يُلقِ على قلوب "المبطلين عداوةً للحق وأهله، وإذا كان الكلام محتملاً لذلك بطل ما توهّموه وزالَ التناقض الذي قدروه.
فأمَّا تعلّقهم بقوله كلعالى: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا).
فإن حملناه على أنه خلقَهم للنار والضلال فذلك صحيح على ما قلناه.
ويمكن أيضا أن تجاب الملحدة أن يقال: إنما عنى بقوله: (لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) على عاقبة الفعلِ وإنهم سيزدادون في الآخرة.
وكذلك قوله: (فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ) أي سيزيدهم عذابا بما كان من