رجسهم وأمرِهم بذلك، كما قال: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)، على عاقبة أمره، وما يؤول به الحال إليه، ولم يلتقطوه
وقتَ أخذه إلا ليكون لهم حبيبا وأنيسا.
وأمَّا تعلق الملحدين بقوله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، وقولهم فما ذنبُ الساحرِ إن كان بإذن الله فعل، ما أبيح له وأمرَ به، فإنّه ليس على ما قدره، ولم يرد بقوله: بإذن الله، بأمرِ اللهِ وإطلاقِه وإباحَته له فعلَ السحرِ الذي قد اتُفق على أنه قد نهاه عنه، وإنما أراد بإذن الله أي أنّ الله خلقَ ذلك السحرَ وقدره قبيحا باطلا كما يقالُ جاء
المطر بإذن الله، وماتَ زيد ومرِضَ وصحَّ بإذن الله أي: بخلق الله ذلك
وتقديره وإيجاده، وليس ذلك بمعنى قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)، وما جرى مجراه، ويمكن أيضا أن يكون أراد بالإذن
ها هنا أن الضررَ الذي يكون عند فعل الساحر، والألمَ ليس من كسبِه وفعلِه، ولكن الله هو الذي يخلقه، ويضُر المسحور به بجري العادة، ويمكن أيضاً
أن يكون بإذن الله أي بعلم اللهِ وسابق ما كتَبهُ عليه في اللوح المحفوظ فيعترُ
عن ذلك بالإذن.
ويمكن أن يكون أراد بالإذن أنّ تركَ الساحرَ وسحره، وتركَ إماتتَه
وإعدامَه وإبطالَ لسانَه وجوارحَه، وغيرَ ذلك ممّا يمنَعه من السحرِ لم يكن
إلا بإذن الله، فكأنه قال: لو شئت أن أمنعهم بهذه الأمور من السحر لمنعتهم
ولكن تركتهم، وذلك بإذني، ويمكن أن يكون أراد بالإذن خلق الشخص
المسحور ممن يقبل الألم ويستضر به كلٌّ يإذن الله وإيجاده له كذلك.
ويحتمل أيضا غير هذا من الوجوه، فبطل قولُهم أنّ الإذنَ لا يكون إلا بمعنى
الإباحة والإطلاق.