وأما تعلقهم بقوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فإنه لم يخرج على الشك والارتياب بما جاءهم به، وكيف يكون
ذلك كذلك وهو يخبرهم بأنه الحق، ويحذرهم بالنار من مخالفته، وإنما
عنى وهو أعلمُ ولكنّه على مذهب التوبيخ والتنبيه لهم والتعريض بأنَّهم هم
المبطلون كما يقول القائل لمن يلاحُّه ويشاجره: إما أن نكون جميعا مبطلين
أو محقين، وإني وإياك لعلى حق أو في ضلال، يعني بذلك أن أحدنا محق
أو أنّنا على أحد الأمرين إذا قال الرجل لمن يشير عليه بترك ما هما جميعاً
فيه إلى غيره إني وإيّاك لعلى هدىً أو ضلال، يريد أنّنا على هذا فلا يفارِقَه
في خطأٍ ومهلكة، فلا يخالف في الخلاص من ذلك، وقد قيل إن معنى الآية
الكريمة أنّنا لعلى هدىً وإنكم لعلى ضلالٍ فحذف تكرار ذكرهم، وأو هاهنا
بمعنى الواو كما قيل:
جاء الخلافة أو كانت له قدراً
أي: وكانت له قدراً.
فأمَّا تعلُّقهم بقوله تعالى: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ)، وأن ذلك شك وإحالةٌ على ما هو وهمٌ فيه إلى الله، فإنه باطل، لأنه إنّما
ورد ذلك على وجه المتاركة والزجر لهم عما هم عليه، كما يقول الرجل
للرجل: مجلس الحكم بيننا ثم يحكم بيننا بالحق، ليس على وجه الشك في
حقه ولكن على وجه المتاركةِ وقطعِ المزايدة والتحذير من الحكم عليه بباطله.
فأما تعلُّقهم بقوله: (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)، وأنّ ذلك
شكّ منه ونقضٌ لما وعدَ وتوعَّد به، فإنه بعدٌ وتخليط منهم، لأنه لم يعنِ
ذلك، وإنَّما أراد ما أدري ما أتعبَّدُ به ويُفرضُ عليّ وعليكم من الوظائف
والعبادات واتباع شريعةِ من سلفَ أو استئناف سواهُ وتبعيةُ ما قد شرعُ لي أو
نسخُه وتغيُره، ولم يرد أنني لا أدري هل يثابُ المؤمنون ويجازى الكافرون
أم لا؟


الصفحة التالية
Icon