وقد قيل: إنه كانت له عليه السلام ذنوب خافَ منها قبلَ أن يقالَ له
وينزَل عليه: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، فقال لما
خاف من ذلك: وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم معاشر المذنبين من غفران
لي ولكم أو عقابٍ أو مجازاة، وليس هذا من الشك في دينه ونبوته بسبيل.
وأمَّا تعلُّقهم بقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)، ونحو ذلك وأنه نقيضٌ
لقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥).
وذلك أنه لا جواب لما سألوا عنه من ماهية الروح وصفتها
إلا ما قال لهم، فكأنم ظنوا أن الروحَ جسم محسوس، وشخص مدرك وشيء
متمثل متجسد، ذو طعم وهيئة ومُحسة ورطوبة ويبوسة فقال "ويسألونك عن الروح يعني أهي صورة أم صغيرة أم كبيرة أم حلوة أم حامضة، أم رطبة أو يابسة أو بيضاء أو سوداء، فقال: قل الروح من أمر ربي، أنها جنسٌ يخالفُ جميعَ هذه الأجناس المدركات وذواتِ الصور والهيئات والصفات التي
سألتم عنها، وكذلك سبيل الجواب عن نعت كل شيء لا يُدرك بالحواس.
وعن ماهيته في أن هذا جوابُه.
ولو قال قائل: خبِّرونا عن الحياة ما هي وما صفة الغمَ والشرور واللذة
والألم، أمتحرك هو أم ساكن، أم أسود أم أبيض، أم صغير أم كبير، مربعٌ
أو مسدس، لوجب أن يكون هذا هو جوابُه، فيقول: هذه الأجناسُ التي
سألت عنها من الحياة والحزن والسرور شيء من خلق الله، وأمور من فعله
لا يعلمها إلا هو، أي لا يتأتَّى فعلُها وجعلُها على صفاتِها إلا له، وليس فيها
ذو هيئة وشكلٍ وطعمٍ ورائحةٍ يخبِرُك عنه، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما
توهموه من قصور القرآن والرسول عن الجواب عن الروح، وهم يعنون