والهواء والترابُ والنارُ التي هي عند الفلاسفة أصولُ الأشياء التي هي قديمة
لم تزل، ومنها تنمو الأشياء وتزيد، وإليها تنحل وتَفْسد، وإذا كان ذلك
كذلك بطل ما قالوه، وقد يقول القائل لمن يسمعُ كلامَهُ ويدرِكَهُ ويشاهدُ
فِعلَه ويحسه: ما قلت شيئاً وما صنعتَ شيئاً، أي: ما صنعتَ شيئاً نافعاً.
وما قلت شيئاً مفيداً محصّلاً، وليس يعني بذلك كونَه ووجودَه، وهذا يزيلُ
توهمهم ويقطعُ مادة أشغالهم.
فأما تعلّقهم بقوله تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (٢٠) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (٢١).
وأنه نقيضُ لقوله: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ).
وأنّ هذه صفة معصي غير مطاع، فإنّه جهل منهم لأن الرسولَ المطاعَ هو جبريلُ في قولِ كثيرٍ من المسلمين، هو مطاع في السماء وعند الملائكة ولم يُرد به إجابة محمدٍ - ﷺ - إلى جميع ما يلتمِسُه.
ويحتمل أن يكون الرسول هو محمد - ﷺ - ويكونَ معنى قوله: (مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) عند المؤمنين به وعند خزنَة الجنَّة، وليس يُعقل من قول مطاعٍ أن الله هو الذي يطيعه، وإنما يُعقلُ من ذلك أنه إنما يطيعُه من يأمره وينهاه ممن أجابه وعرفَ حقه ونبوته، فبطلَ ما قالوه.
فأما تعلهم بقوله في قصة نوح ومحمد عليهما السلام وقوله: (وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ).
وقوله في قصة محمد مثلَ ذلك، وأنه نقيضُ قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧).
فإنه ليس على ما ظنوه، لأن نوحا ومحمداً - صلى الله عليهما وسلم - إنما نفيا عن أنفسِهما إدراكَ الغيوبِ من غير توقيف وإخبارٍ على وجه ما يدركه الله سبحانه