فصل
ربِّ أنعمتَ فزِدْ
فإن قالوا: مزاجها كافوراً وزنجبيلاً، فإنه غير مفسد لطعم الشراب لأن
مِنَ الناس من يعجبُه الشراب عند مقطعه شيء من لذع الزنجبيل والكافور
وطعمهما وريحهما، ويميل إلى شدة برد الشراب، ولعله تعالى أراد طعمَ
الكافور وريحه وبَردهِ، أو برده خاصةً وكل ذلك محبوبٌ مشتهىً عند أكثر
الناس.
ويمكن أيضا أن يكون عنى تعالى أن بردَ ذلك الشراب ونفاذَ عَمَله في
اللذّة وطعمَه وريحَه اللذين هما له، كنفاذ برد الكافور والزنجبيل وطعمه
وريحه، من غير أن يكون معنى ذلك الشرابِ في الطعم والريح معناهما.
وقد يقول القائل: إن له لساناً أحدَّ من السيف، وشرابا مثل شُعل النيران.
وأن ريح هذا تيّمٌ كريحِ المسك والكافور ولا يَعني بذلك تساوي معنى ما
ذكره وما شبَّهَه، وإنما يعني نفاذَ عَمَله ورائحته، وإذا كان ذلك كذلك بطل ما قالوه.
فأمّا قوله: (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ)، وأن ذلك ليس
تعظيما في الزينة، ولا من زينة الرجال، فإنه كَذِبٌ، لأن العسجدَ من أفضل
الزينة، وإنما كُرِه للرجال لموضع التشبيه بالنساء، ولعله أن يكون لأجل ما
يُلْحَقُ البلواء والخيلاء، وصار ذلك مستهجنا في الدنيا لموضع التعبُّد
والعادة، وفي عامة النّاس وأوساطهم، فأمّا ملوك العرب والعجم والروم