وقوله -: (وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) أمرٌ له بأن يخشى اللهَ وبينه على أنه أحقُّ
وأولى أن يُخشى، ، وذلك لا يدل على مخالفة المأمور إلى ضده وارتكابه
لترَكه أو العزم على ذلك، فبطل التعلق بهذا الموضع.
ويحتمل أيضا: أن يكون كرِه إظهارَ ذلك لئلا يقول المنافقون: قد حرَّم
الله على أمته حلائلُ أبنائهم، وزيد ابنه، وقد تبنَّاه، ثم تزوَّج بحليلته، فقال: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ)، أي ليس زيد
ابنَهُ. بنوةً تَمْنع من تزويج امرأتِه، فقال: قل لهم هذا ولا تخشاهم، فإنّ اللهَ
أحقُّ أن تخشاه، وليس ذلك بركوب لمأثم.
ثم إنه لو سُلّم أن الرسول صلى اللهُ عَليه كان راغبا فيها ومؤثرا، لطلاقها
لكي يتزوجها إذا فورقت واعتدَّت: وحلَّت للأزواج، وأنه خافَ أن يظهرَ ذلك الموضعَ للقالية التي قدمناها والقذفِ له لم يكن ذلك - ذنبا منَ ذنوبه، وخشيةُ الناس وتركَه لخشية الله، لأن ميلَ الطباع وشهوات النفوس والرغبة في النساء والوقوع في حبائلهن، وتعلق القلوب بهن إذا خرج عن التكليف
والاكتساب لم يكن صاحبُه ملوما مذموما إذا عزم العازم، على التزويج بمن
يُوثره إذا حلَّت للأزواج، لتسكين طَبْعه وإحمام نَفْسه ودفْعِ الوسوسة.
والحوم حولَ الحمى ومكابدة الألم ومدافَعة، النفس وطلب الاشتغال عن
ذلك بطاعة الله، فإنّه بهذا الحزم والقصد مطيع لله، فكأنه قال له عليه السلام
"لا تحْفْ الناس في كشف هذه الحال لهم بأنها مطلقة مباحه، واعلم أن الله
أحق أن تخشاه، ويُخْبِر بالمباح المطْلَقِ لك من دينه وفي شريعته، وإذا كان
ذلكْ كذلك بانَ أنه لا عيبَ على الرسول ولا عار، وأنه غير مواقع بذلك
دنبا ولا عصيانا ولا تارك لخشية اللهِ تعالى، وبطل ما قَدَّروه وززالَ ما
توهموه.