إن لم تفعل ذلك فما تحمَّلت عن الله سبحانه كل ما أمرك به ولا أديْتَ جميع
رسالاته، وهذا واضح من التأويل وبالله التأييد.
وجواب آخر وهو: أنه يمكن أن يكون المرادُ بقوله تعالى: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) أي: فما تستحق ثواباً ولا جزاءاً على أداء ما أديته منها
إذا أخلَلتَ بأداء شيءٍ من جميعها، كما يقول السيد لعبده والمستأجر
لأجيره: ابنِ داري هذه وعلِّي شُرَفَهَا وإن لم تُعل الشُرف منها فما عملت
شيئا ولا ثوابَ لك على عملك، وهو ليس يعني بقوله: فما عملت إلا
إسقاطَ الاعتقاد بما عملَه، وهذا أيضا بيّن في جوابِ ما تعلقوا به.
وجواب آخر هو: أنه يُحْتمل أن يكون المراد بقوله: (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) هو المراد بقوله: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) أي: تبلغه تبليغا شائعا ذائعا
مكشوفا تقوم به الحجَّة، وينقطعُ به العذر، ويؤَثر في النفس التأثيرَ الذي يقع
معه العلمُ بصحته ولذلك قال: "اصدع" لأنه عَنى به شدة البلاغ وكشفه على وجهٍ يُؤثَر تأثيرَ الصدع في الزجاج وغيره مما يتصدعُ وينكسر، فكأنه
سبحانَه قال له: (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) بلاغا ظاهراً، وأراد بقوله: (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، أي: إن لم تُظهر، وأديته خفيًّا مكتوماً فما بلغت البلاغ الذي قيل لك بلًغه وهذا أيضا واضح في إسقاط ما تعلقوا به.
وقد طعنوا أيضا في القرآن وفي تصديق الرسول صلى اللهُ عَليه بقوله:
(وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)، قالوا: وقد قُتل فيه الخلقُ من عبدِ الله
ابنِ الزبير وغيره، ولعل الخوفَ والقتلَ فيه وفي المسجد في كثير من
الأوقات كان أكثر وأظهر منه في غيره، فهذا كذبٌ لا محاله - زعموا - وهذا


الصفحة التالية
Icon