باطل لا تعلُّق لهم فيه، لأنه لم يردْ بذلك الإخبارَ عن حصول الأمر، وإنَّما
هو كلام صورتهُ الخبر، والمرادُ به الأمرُ كأنه قال تعالى: ليكن من دخله آمناً
غيرَ مخوف، وهو جاري مجرى قوله: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)، وصيغته الخبر، والمرادُ به ليتربصن المطلقاتُ بأنفسهن
ثلاثةَ قروء، وقد لا يفعلنَ ذلك ويعصينَ بترك التربص، لأن هذا القولَ ليس
بخبرٍ عن حصول ذلك منهن، وإنما هو أمرٌ وردَ بصيغة الخبر فزال ما
توهموه.
وقد يمكن أن يكون خبراً عن الأمان من عذاب الآخرة وسوء النكال إذا
دخلَهُ خائفا لله وخاشعا له ونادماً على تفريطه ومتقرباً بذلك إلى وجههِ تعالى
بعد المهاجرة من دارهِ وبلده، ولم يردْ أنّه آمنٌ من ظُلم الخلق، أو من إقامة
ما يجبُ عليه من قصاصٍ وقَوَدٍ وحد، وقد يمكن إن كان خبراً عن حصول
الأمرِ أن يكون أرادَ به وقتاً مخصوصاً وعامَا مخصوصاً وناساً مخصوصين.
فيكون صيغته العمومَ والمراد به الخصوصَ إن ثبتَ للعموم صيغة.
فأمّا طعنهم في القرآن بقوله: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (٤٦).
وإن في هذا مدحاً لهم على الظن للقاء ربّهم.
والظنُّ - زعموا - شكّ وضدُّ اليقين، وهم بذمّهم لأجل ظنِّهم لذلك وشكهم فيه وترك العلم به أولى بالمدح.
والجواب عنه: أنه أراد تعالى بذكر الظن ها هنا اليقين، لأنّ الظن يكون
بمعنى اليقين، ومنه قولُه تعالى: (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا)، يريد تيقنوا ذلك وتحققُوه، ومنه أيضاً قولُه: (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥).
يريدُ تتيقن المفاقرة، وترى وتشاهدُ العذابَ غير أنه لما ذكر رؤيةَ المؤمنين لربِّهم باسم النظر ثم ذكر