فوصف الثالثة بالأخرى، والعرب إنما تصف بالأخرى الثانية لا الثالثة، فظاهر اللفظ يقتضي أن يكون قد سبق ثالثة أولى، ثم لحقتها الثالثة الأخرى فتكون ثالثتان؟
قلنا: الأخرى نعت للعزّى تقديره:
أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة لأنها ثالثة الصنمين في الذكر، وإنما أخّر الأخرى رعاية للفواصل، كما قال سبحانه: وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) [طه] ولم يقل أخر رعاية للفواصل.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨)، أي لا يقوم مقام العلم، مع أنه يقوم مقام العلم في صورة القياس؟
قلنا: المراد به هنا الظّن الحاصل من اتّباع الهوى دون الظّنّ الحاصل من النظر والاستدلال ويؤيده قوله تعالى قبل هذا: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ [الآية ٢٣].
فإن قيل: لم قال تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى (٣٩) وقد صح في الأخبار وصول ثواب الصدقة والقراءة والحج وغيرها الى الميت؟
قلنا: فيه وجوه: أحدها ما قاله ابن عبّاس رضي الله عنهما أنها منسوخة بقوله تعالى: وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الطور: ٢١]، معناه أنه أدخل الأبناء الجنّة بصلاح الآباء، قالوا وهذا لا يصح لأنّ الآيتين خبر، ولا نسخ في الخبر. الثاني: أن ذلك مخصوص بقوم إبراهيم وموسى (ع)، وهو حكاية ما في صحفهم، فأمّا هذه الأمّة فلها ما سعت وما سعى لها.
الثالث أنه على ظاهره، ولكن دعاء ولده وصديقه وقراءتهما وصدقتهما عنه من سعيه أيضا، بواسطة اكتسابه للقرابة أو الصداقة أو المحبّة من الناس، بسبب التقوى والعمل الصالح.
فإن قيل: لم قال تعالى بعد تعديد النقم: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥) والآلاء هي النعم؟
قلنا: إنما قال سبحانه بعد تعديد النعم والنقم نعم، لما فيها من الزجر والمواعظ، فمعناه: فبأيّ نعم ربّك الدالّة على وحدانيته تشكّ يا وليد بن المغيرة.