وفى مجال اختلاف الأغراض فإن القرآن يمزج المقاصد مزجاً قوياً مؤلفاً بينها
برباط آسر، ولم يقتضب في موضع فيه القول اقتضاباً، ولا حُجة لمن قال بهذا
كالعز بن عبد السلام، والغانمي. وقد أثبتُ في ما ذكرتُ من نصوص قوة الربط بين جمل وفقرات القرآن كما وضح في الخاصة السابقة. كما ذكرتُ العِلَّة فى هذا الصنع الحكيم من تيسير القرآن للعظة والانتفاع. والهداية والتوجيه.
وفى مجال الإقناع والإمتاع فإن القرآن يخاطب العقل ويمتع العاطفة في أسلوب واحد ومقام واحد، جامعاً بين مقصدين يعزان على طالبهما، ولو كان ذلك في تقرير حقيقة كونية، أو بيان حكم شرعى.
فليس هناك موضع فيه مطلوب من ورائه
موقف تأثيرى عند السامعين - أمراً أو نهياً - إلا تجد القرآن يخاطب به كل
حاسة مدركة من حواس الإنسان: العقل والعاطفة، والنفس والوجدان.
وقد بينتُ هذه الطريقة في كثير من المقاصد القرآنية كالتشريع والجدل..
وخاصة في قضيتي التوحيد والبعث.
أما التصوير والتشخيص فإن القرآن فيها يمنح الجمادات حياة والمعدوم
وجوداً: فالليل يعسعس، والصبح يتنفس، والدعاء له طول وعرض..
إلى آخر هذه الصورة الخلابة. وتلك سمة بارزة في أسلوب القرآن وظيفتها التوضيح والبيان، كما لا تخلو من الإمتاع والإقناع، إذ الفصل بين هذه السمات أو الخصائص إنما هو نسبى، وحقيقة التعبير القرآن أنه مَجْمَع أشعة يأتيك من كل ناحية أبصرته منها شعاع وضياء.
والباب الثالث.. وقفته على دراسة بعض فروع علم المعاني في القرآن
الكريم، وتحته ثلاثة فصول.
الأول: من أسرار الحذف، وتتبعتُ فيه مظاهر الحذف المختلفة من حذف الحرف، إلى حذف الكلمة سواء أكانت مبتدأ أو خبراً،
أو مفعولاً أو فاعلاً، أو موصوفاً أو صفة، أو حالاً أو تمييزاً:
ذكرتُ ضابطاً جديداً لحذف الحرف في القرآن كأن يُحذف ويبقى أثره.
أو يُعتبر الحرف محذوفاً لوروده في موضع مماثل
مذكوراً، وأثبتُ سر ذلك كله.
كما تحدثتُ عن حذف الجملة وحذف الفقرات، وأثبتُ بالدليل أن الحذف فيه يؤدى إلى فخامة العبارة


الصفحة التالية
Icon