ولا يؤدى إلى الغموض. وأنه أبلغ من الذكر في موضعه، ولم يُصَر إليه لهدف
بلاغى أصيل. كما أثبتُ أن الحذف في الفقرات يحكمه إما ترتيب زمني بين
المذكور والمحذوف وإما ترابط طبيعى بينهما. فهو إذن بلاغة آسرة، وليس
تعسفاً وجرأة معيبة، وفضلاً عن بيان أسرار الحذف تحدثتُ عن منهج البلاغيين فيه، وبيَّنتُ اهتمامهم ببعض المواضع دون بعض، كما تحدثتُ عن طريقة ابن الأثير. ورددتُ - بالدليل - أن يكون مجرد الاختصار
أو رعاية الفاصلة وحدهما سبباً في حذف ما يُحذف، وخرَّجت مواضع أرجعوا الحذف فيها إليهما على غير الوجه الذي ذكروه، مما ظننته أولى من صنعهم. كحذف المفعول فى قوله تعالى: (أهَذَا الذي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)، وكحذفه أيضاً فى قوله تعالى: (أرِني أنَظرْ إليْكَ).
كما ذكرتُ قانون الحذف الذي نصَّ عليه السيوطي في كتاب له نُشر لأول
مرة، وناقشتُ هذا القانون وذكرتُ في النهاية أن الحذف في القرآن
يخضع لسمتين بارزتين..
أولاهما: دليل قوى يدل على المحذوف. بل ويعينه - أحياناً -
وثانيتهما: داع بلاغى اقتضى ذلك الحذف.
وبهذا كان الحذف فى القرآن في جميع مظاهره ومواضعه - بلاغة - فَخُمَ معه المعنى وحَسُنَ اللفظ.
وكم من الإبهام والغموض نتج عن الحذف خارج دائرة القرآن.
وضريتُ لذلك أمثلة مع شهادة النقاد أنفسهم.
والفصل الثاني.. درستُ فيه التقديم في القرآن من خلال أربعة مناهج:
منهج البلاغيين، ومنهج شمس الدين بن الصائغ الحنفى، ومنهج ابن الأثير.
ثم منهج المفسرين ممثلاً في كشاف الزمخشري وتفسير أبى السعود. وناقشتُ
كل منهج على حدة مبيناً محاسن كل، ومشيراً إلى القصور إن وجدا وعقدت مقارنة بين


الصفحة التالية
Icon