منهجي البلاغيين وابن الصائغ ذاكراً الفروق بينهما، مسجلاً لكل ذى فضل
فضله، وبيَّنتُ نواحى القصور في كل منهما. وكذلك بيَّنتُ غلو ابن الأثير
- أحياناً - في تفسيره لأسرار التقديم على غير المقبول مع أن النصوص التى
ذكرها لا اختلاف بينها يؤذن باختلاف توجيهها بلاغياً.
أما الفصل الثالث.. فقد درستُ فيه نوعاً جديداً من التقديم أطلقتُ عليه:
التقديم غير الاصطلاحى، أو: اختلاف النظم في العبارات ذات المدلول الواحد.
وقد عرَّفته وذكرتُ الفَرق بينه وبين التقديم الاصطلاحى. الذي عنى به البلاغيون عناية فائقة. كما نبهتُ في مطلع هذا الفصل على نوع ثالث من التقديم اهتم به المفسرون وابن الصائغ.
والتقديم غير الاصطلاحى سمة خاصة بأسلوب القرآن، وقد جمعتُ من أمثلته
عشرين نصاً اختلفت الصياغة في كل نصين متقابلين منها أو أكثر، واتحد
أصل المعنى. مثل: (قُلْ إن هُدَى الله هُوَ الهُدَى) مع قوله تعالى:
(قُلْ إن الهُدَى هُدَى الله). ، حيث قدم " هُدَى الله " في الأولى
واختلف الوضع في الآية الثانيةَ فقدم " الهدى " على " هُدَى الله ".
هذا النوع من التقديم لم يهتم به أحد، لا البلاغيون، ولا المفسرون.
اللهم إلا ندرة يسيرة من التوجيهات، يغلب عليها طابع التعميم قال بها جماعة من العلماء والمفسِّرين، وهي لا تُفسِّر الظاهرة ولا تقنع الباحث.
وقد أفرغتُ جهدي فى هذا الفصل مستعيناً بإطالة النظر والتأمل.
معتمداً على أسباب النزول والسابق واللاحق وأحوال البيئتين المكية والمدنية. وقد انتهيتُ من هذا كله إلى نتائج أطمع أن أُوافَق عليها.
وحسبى أنها تجرية، خاضعة للتوجيه والأخذ والرد.
على أني بعد الفراغ من توجيه تلك المواضع العشرين عثرتُ على كتاب
للخطيب الإسكافى عرَّفت به في موضعه.
وفي هذا الكتاب حديث عن بعض