لكان بليغاً. وأبلغ منه لفظ القرآن: لأن الظمآن أشد حرصاً عليه، وتعلق قلبه به. ثم بعد هذه الخيبة، حصل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الأبد فى النار... وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من حسن التشبيه فكيف إذا تضمن مع ذلك حسن النظم وعذوبة اللفظ وكثرة الفائدة، وصحة الدلالة ".
وقال في باب الاستعارة: "ونحن نذكر ما جاء في القرآن من الاستعارة
على جهة البلاغة.
قال الله عزَّ وجلَّ: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣) : حقيقة " قدمناَ " هنا: عمدنا. و " قدمنا "
أبلغ منه، لأنه يدل على أنه عاملهم معاملة القادم من سفر، لأنه من أجل
إمهاله لهم كمعاملة الغائب عنهم. ثم قدم فرآهم على خلاف ما أمرهم.
وفى هذا تحذير من الاغترار بالإمهال، والمعنى الذي يجمعهما العدل، لأن العمد إلى إبطال الفاسد عدل. والقدوم أبلغ لما بيَّنا.
وأما " هباءً منثوراً " فبيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه حاسة ".
وعلى هذا النمط الرائع يمضى الرماني في كثير من الأمثلة التي ذكرها شواهد
على الفنون البلاغية في الأبواب الثلاثة المذكورة، وفي غيرها من الأبواب
السبعة الأخرى.
وفي كل موضع ينتصر لأسلوب القرآن ويكشف مظاهر الجمال
فيه، ويخلص إلى أحكام نقدية مهمة حتى أصبح ما كتبه مصدراً غنياً للاحقين
سواء أكان ذلك في فنون البلاغة نفسها، أو هي من حيث صلتها بإعجاز
القرآن.
ومن هنا فإن فكرة الإعجاز البياني الأدبي كانت هي المسيطرة على منهج
الرجل حتى وإن ذكرها ضمن ما يناقضها - الصرفة - ويكفيه أنه رائد في هذا السبيل فيما كتبه ابتكار وغناء وإن قَل.
* * *


الصفحة التالية
Icon