إن القرآن كله صدق، لكنه ليس للإعجاز. ولو كان كذلك لعارضوه بحديث
كله صدق كوصف صحراء أو ليلة مقمرة.. ولما عجزوا.
والقرآن نازل من أعلى جهة.. ولكنه ليس للإعجاز. ولو كان كذلك لا
عابهم أن عجزوا عن معارضته، لأن المعارضة تكون حينئذ أن يعلوا هم ويأتوا
بكلام مثله. لأن هذا مستحيل والإعجاز كان في أمر ظاهره الإمكان.
وحُسن الأداء عبارة لروعة النظم والتأليف، وهذا كاد يجمع عليه السابقون
الذين سبقوا الخطيب. فليس ما جاء به بجديد، إلا التسمية!
وروحانية القرآن قال بها الرماني منذ عهد طويل، والخطيب يعلم هذا.
فكان أجدر به أن يلتزم الدقة في عنوان كتابه ما دام لم يأت بجديد!
* * *
١١ - أبو زهرة:
وضع محمد أبو زهرة كتاباً في إعجاز القرآن آسماه " المعجزة الكبرى..
القرآن ". وقد تحدث فيه عن نزوله وكتابته، جمعه وإعجازه، جدله وعلومه، تفسيره وحكم الغناء به. وهو من الكتب ذات النفع في هذا المجال.
والذي يهمنا من هذا الكتاب رأى أبى زهرة نفسه في الإعجاز، وهو يلخصه
فى العبارات الآتية، قال:
" إن كل شيء في القرآن مُعجِز، من حيث قوة الموسيقى في حروفه، وتآخيها
فى كلماته وتلاقى الكلمات في عباراته، ونظمه، الحكم في رنينه. وما وصل
إليه من تأليف بين الكلمات. وكون كل كلمة لفقاً مع أختها، وكأنما نسيج كل واحدة قطعة منه تكمل صورته، وتُوَخَد غايته. ومعانيه بحدها مؤتلفة مع
ألفاظه. وكأن المعاني جاءت مؤاخية لللأفاظ، وكأن الألفاظ قُطعت لها وسُوِيت على حجمها.. ".
وهذا تفصيل للإعجاز البياني الأدبي.


الصفحة التالية
Icon