الفصلين التدليل على أصالة " البديع " في القرآن سواء المعنوي واللفظي منه،
: قد تبين من الدراسة أن أصالة " البديع " القرآني قد أخرجته من كونه حلى
للمعنى أو اللفظ تأتى بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال، إلى كونه قريباً من
ذلك المقتضى إن لم يكن منه. وقد استشهدتُ في بعض المواضع بآراء مَن
سبقوا من علماء البلاغة، الذين لهم فيها قدم راسخة.
أما الفصل الثالث.. فقد درستُ فيه " البديع " معاني وألفاظاً من خلال
ثلاثة نصوص قرآنية حلَّلتُ كل ما بدا لى من صور " البديع " فيها، وقمتُ
بإحصاء شامل لمظاهر " البديع " التي وردت في تلك النصوص فبلغت - بعد
حذف المكرر منها - واحداً وأربعين نوعاً، فإذا علمنا أن تلك النصوص الثلاثة لم تزد في جملتها على خمس آيات فإن مقابلة هذين الرقمين تفيد أن الآيات الخمس قد حفلت بصور " البديع " وكثر هو فيها كثرة يُحَذِّرُ النقاد منها في غير القرآن لأنهم يشترطون في تناوله شرطين أساسيين هما:
١ - جريه مع الطبع.
٢ - الإقلال منه.
وإنما فعلوا زلك ليأمن الأديب الزلل.
وهذان الشرطان سلم أحدهما في القرآن الكريم وهو: جريه مع الطبع وعدم التكلف.
أما الثاني فلا مفهوم له فيه، ومع هذا فإن بديع القرآن بديع حقاً وَفَّى بحق اللفظ والمعنى.
وذلك هو الفارق بين القرآن في بيانه المعجز، وبين غيره من الآداب الرفيعة.
ثم ذكرتُ نصوصاً للشعراء تناولوا فيها " البديع " فأصابوا وأخطأوا حتى
المقلون منهم. حيث لم يكن الإقلال منه عاصماً لهم من الزلل.
ولذا سيظل الفرق بين أدب القرآن وبين الآداب الأخرى كالفرق بين الصوت صادراً من مصدره الأصيل، والصدى لا تلوى منه على شيء.
كما بيَّنت في مطلع الباب خلط العلماء بين فنون " البديع "، وبيَّنتُ السبب
فيما ظهر لى، وأوضحتُ في نهايته إسرافهم في أنواعه.
والاعتدال كان أحوط.
وبهذا تنتهى أبواب وفصول هذا البحث واضعاً أمامك صورة تقريبية فى
وصف كل باب وفصل.
وبقيت - بعد - كلمة أخيرة عن المراجع والرجاء.