فقد شبَّه المغتاب بمن يأكل لحم أخيه ميتاً. وهذه صورة تعافها النفوس..
وتنفر عنها الطباع.
قال الزمخشري: " تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من المغتاب على أفظع
وجه وأفحشه. وفيه مبالغات شتى: منها الاستفهام الذي معناه التقرير،
ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولاً بالمحبة.
ومنها إسناد الفعل إلى " أحدكم " والإشعار بأن أحداً من الأحدين لا يحب ذلك.
ومنها لأنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخاً.
ومنها أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعله ميتاً ".
وهذه اعتبارات دقيقة لحظها الزمخشري تُسجَّل له.
ولكن جعله الاستفهام للتقرير لا يرتاح إليه الفكر.
والأولى حمل الاستفهام على الإنكار كقوله تعالى:
(أكَفرْتُم بَعْدَ إيمَانكُمْ).. وذلك لأن الاستفهام التقريرى يكون مدخوله
مثبتاً كقوله تعالى: َ (ألمْ نَشْرَحْ لكَ صَدْرَكَ).
ومدخول الاستفهام في آية الغيبة منفى: فكيف للزمخشري أن يجعل
الاستفهام معه للتقرير؟
ومنها أيضاً قوله تعالى محذراً من نقض الأيمان والعهود:
(وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (٩١) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا).
خاطب الله العرب بما هو مألوف لهم. من ذلك الصورة المشبَّه بها في الآية
الكريمة، و " نقض الغزل " يؤدى إلى إفساده حيث يُراد الانتفاع به، ولا يحب أحد أن يبطل عملاً بدأه أو أكمله خاصة إن كان هذا العمل موضع أمل.


الصفحة التالية
Icon