و " القَيِّمة " وصف حاز كل فضيلة فليس المراد كلمة " مِلة " لأن هذه تُطلق
على كثير من العقائد الضالة وغيرها.
إنما المطلوب الوصف " القَيِّمة " وهو ما يفصل بين ما هو حق وما هو باطل. فهو بالعناية أولى.
وكثيراً ما اجتزئ بالآخرة - وهي صفة - عن الحياة وهي موصوف في التعبير
القرآني كما في قوله تعالى: (وَللآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولى)، وإذا
كثر اتصاف الشيء بصفة واشتهر بها صلحت لأن تقوم مقامه.
وهذا الوصف " الآخرة " هو الفاصل بين الحياتين: الأولى والآخرة.
لأنهما جميعاً يشتركان في مطلق حياة.
فكان لهذا الوصف الذي لا اشتراك فيه فضيلة ليست لغيره.
لذلك نرى القرآن يُفرق بينهما حتى فيما هما مشتركتان فيه
من لفظ " الحياة "
إذ يقول: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٦٤).
فزاد في بِنية الكلمة زيادة تفيد المبالغة في إثبات المعنى.
فكاد يسلب عن الحياة الأولى معنى الحياة.
ويفيد - في نفس الوقت - أن الحياة الحقيقية إنما هى الآخرة.
وهكذا تجد في كل موضع حُذِف فيه الموصوف وأقيمت الصفة مقامه لم يكن
الحذف اعتباطاً - كما يقال - ولا قسراً.
وإنما هو لسر يبدو فيه توفير العناية بالصفة لأمر يقتضي ذلك.
أما حذف الصفة فدون حذف الموصوف.
لأنها عرض لا تدل على نفسها إلا بذكرها، فمن حذف الصفة في القرآن قوله تعالى: (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا). أي صالحة. "


الصفحة التالية
Icon