كادت تفقه أمر هذه السرقة لكثرة ما ترددت على الألسنة فلو سألتها لأجابت بما نقول، فما بالك براكبيها!
فالسر - إذن - وراء هذا الحذف هو قصد المبالغة
واشتهار أمر السرقة بدرجة لم يستقم معها شك أو تكذيب.
وأما المثال الثاني فهو قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (٤).
وقد أجمع المفسرون على أن المراد: أهل قرية، وهذا صحيح.
ولكن لماذا حذف المضاف إليه؟
والجواب: إن الله تعالى ينذر الناس بأن المخالفين منهم سيحل بهم سوء
المصير. وضرب لهم من قصص السابقين مثلاً ليكون لهم فيها عظة.
ومقام الإنذار يتطلب التهويل والتعظيم في عرض ما حدث أو ما سيحدث.
لأن الإنذار مراد به التخويف ليرتدع المخالفون.
ولما كان الأمر - كذلك - فقد صور الله في هذه الآية ما نزل بأهل القرى
السابقين تصويراً فيه شدة وهول.
فجعل الهلاك واقعاً على القرية نفسها بما فيها
من زروع وأنهار - وجبال ومنازل وكل ما يتصل بها. وإذا كان الهلاك بالغاً
هذا الحد فما بالك بأهل تلك القرى التي هلكت في أنفسها.
إنهم - لا شك - أكثر هلاكاً وأكثر بوراً.
والدليل على أن هدف الآية ما ذكرناه من التهويل والتعظيم في تصوير
ما حدث أنها صُدِّرت بـ " كم " الخبرية التي معناها الكثرة في العدد.
وجاء حذف المضاف مفيداً للتهويل في الكيف.
فهو على نمط: (وَاشْتَعَلَ الرأسُ شَيْباً) في إفادة المبالغة والشمول.


الصفحة التالية
Icon