الفصل الأول
من أسرار الحذف
الحذف فن عظيم من فنون القول، ومسلك دقيق في التعبير وتأدية المعاني،
ترى به ترك الترك أفصح من الذكر. والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة. وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتَم بياناً إذا لم تبن.
وقد أشاد البيانيون كثيراً بفن الحذف. وأفصحوا عن ملامحه الجمالية فقعَّدوا
له القواعد ووضعوا الشروط وأظهروا المزايا.
وكان لظاهر الحذف في القرآن الكريم أكبر عون للبلاغيين على تعرف جهاته.
ورصد حالاته وكشف أسراره مقيساً عليه كل فن بليغ وأدب ممتع.
* شروط الحذف:
كل حذف لا بدَّ فيه من شرط وسبب..
أما الشرط فقد أجمعوا على أن الحذف لا يُصار إليه إلا إذا بقيت في الكلام
قرينة تدل على المحذوف. حتى لا يصبح البيان ضرباً من التعمية والغموض،
لأن شرط جودة الأسلوب الوضوح وحسن الدلالة.
وهذا الشرط ضرورى لا يُحمد إغفاله، لأن الحذف إذا لم يكن فيه ما يدل على المحذوف - ويعينه أحياناً -
جار على اللفظ والمعنى.
والألفاظ - كما قالوا - أوعية المعاني فلا بدَّ من
ملاحظتها مذكورة أو محذوفة دل عليها دليل (١).

(١) لا يشترط البلاغيون عند حذف الفاعل، وإقامة المفعول مقامه أن يكون هناك دليل على الحذف لأن الفاعل عمدة لا بدَّ من ملاحظته وإن حذف. ولأنه قد أقيم مكانه عوض، فهم يكتفون فيه بتوفير الداعي إلى الحذف مثل
" قتل الخارجي " لأن الأهم قتله لا مَن قتله: المطول ص ٦٩


الصفحة التالية
Icon