إلا أن العذاب المستأصل رفع عن هذه الأمة، فإن النبي ﷺ دعا ربه سبحانه وتعالى ألا يأخذهم بسنة بعامة، أي بعقوبة عامة، لكن ابتلوا بشيء آخر وهو أن يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً (١)، والأمر كذلك وقع، فإن هذه الأمة لم تصب بعذاب عام كما أصيبت به الأمم التي قبلها، لكن أصيبت بأن جعل الله بأسهم بينهم منذ زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لما اختلفوا على عثمان وعلي - رضي الله عنهما - وحصلت الفتن تتوالى إلى يومنا هذا، ثم هذه الأمة التي جُعل بأسها بينها ليست هي أمة الإجابة فقط، بل أمة الإجابة وأمة الدعوة، ولهذا نقول: ما حصل من الفتن والبلاء في الأرض مشارقها ومغاربها من الكفار وغير الكفار فإنما هو نتيجة للمعاصي، وهي عقوبة هذه الأمة أن الله يذيقهم بأس بعض.
﴿وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوماً فسقين﴾ يعني اذكر قوم نوح من قبل، وهم أول أمة أرسل إليهم الرسول، ولكنهم كذبوا، ونوح عليه الصلاة والسلام بقي فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ويذكرهم ويعظهم، ولكنهم - والعياذ بالله - لم يؤمنوا، ما آمن معهم إلا قليل حتى أنه عليه الصلاة والسلام يقول: ﴿كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم﴾، جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ما يقول، واستغشوا ثيابهم أي تغطوا بها لئلا يبصرون، نسأل الله العافية، وهذا غاية ما يكون من البغضاء لما يقول ولما يفعل، ﴿وأصروا﴾
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب الفتن، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض (٢٨٨٩).


الصفحة التالية
Icon