وجل: ﴿والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً﴾ بل يقبلونها بكل رحابة صدر وبكل طمأنينة، وفي الآية الدليل على وجوب التذكير على كل حال، وفيها أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون، وأن من لا ينتفع بالذكر فهو ليس بمؤمن: إما فاقد الإيمان، وإما ناقص الإيمان، وهنا فتش عن نفسك: هل أنت إذا ذكرت بآيات الله وخوفت من الله عز وجل هل أنت تتذكر أم يبقى قلبك كما هو قاسياً، إن كانت الأولى فاحمد الله فإنك من المؤمنين، وإن كانت الثانية فحاسب نفسك، ولا تلومن إلا نفسك، وعليك أن ترجع إلى الله - عز وجل - حتى تنتفع بالذكرى، وفي الآية دليل على أنه كلما كان الإيمان أقوى كان الانتفاع بالذكرى أعظم وأشد، وذلك من قاعدة معروفة عند العلماء، وهي: أن الحكم إذا علق بوصف ازداد بزيادته ونقص بنقصانه.
﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ أي ما أوجدتهم بعد العدم إلا لهذه الحكمة العظيمة، وهي عبادة الله تبارك وتعالى، وحده لا شريك له، واللام في قوله ﴿ليعبدون﴾ للتعليل، لكن هذا التعليل تعليل شرعي، أي لأجل أن يعبدون، حيث آمرهم فيمتثلوا أمري، وليست اللام هنا تعليلاً قدرياً، لأنه لو كان تعليلاً قدرياً للزم أن يعبده جميع الجن والإنس، لكن اللام هنا لبيان الحكمة الشرعية في خلق الجن والإنس، والجن عالم غيبي خلقوا من نار، لأن أباهم هو إبليس كما قال الله تعالى: ﴿أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو﴾ فسموا جنًّا