لأنهم مستترون عن الأعين، حيث إنهم يروننا ولا نراهم، هذا هو الأصل أنهم عالم غيبي، لكن قد يظهرون أحياناً، والأصل فيهم أنهم كالإنس منهم المسلمون، ومنهم غير المسلمين، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، لكن الإنس يفضلونهم بأنهم أحسن منهم من حيث الابتداء، حيث إنهم خلقوا من الطين، من التراب، من صلصال كالفخار، وأما أولئك الجن فخلقوا من النار، كذلك يمتاز الإنس عنهم بأن منهم الرسل والأنبياء، وأما الجن فليس منهم رسل، ولكن منهم نُذر، يبلغونهم الرسالات من الإنس، كما في قول الله تعالى: ﴿وإذ صرفنآ إليك نفراً من الجن يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين﴾ فانظر إلى أدبهم في قولهم: أنصتوا ثم بقائهم حتى انتهى المجلس، ثم ذهبوا دعاة لما سمعوا، قالوا: ﴿أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين﴾ ﴿قالوا يقومنآ إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى﴾ إلى آخر الآية، وأما الإنس فهم بنو آدم البشر، هؤلاء خلقوا لشيء واحد، لعبادة الله، لا لأجل أن ينفعوا الله بطاعتهم، ولا أن يضروه بمعاصيهم، ولا أن يطعموه، ولهذا قال: ﴿مآ أريد منهم من رزق ومآ أريد أن يطعمون﴾ يعني ما أطلب منهم رزقاً أي
عطاءً أنتفع به، ولا أن يطعمون فأنتفع بإطعامهم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأَرض وهو يطعم ولا يطعم﴾، فهو سبحانه وتعالى له الجود والغنى والكرم وهو غني عما سواه، فالحكمة من خلق الجن والإنس العبادة، فلم يخلقوا لأجل أن يعمروا الأرض، ولا لأجل أن يأكلوا، ولا لأجل أن


الصفحة التالية
Icon