وجل (١)،
فهي منتهى من الطرفين: الطرف الأول: ما يصعد من الأرض إلى السماء، ينتهي عند هذه السدرة، وما ينزل من الرب عز وجل ينتهي عند هذه السدرة، ﴿عندها جنة المأوى﴾، أي: عند هذه السدرة جنة المأوى، إذاً الجنة فوق السماء السابعة، لأنه إذا كانت السدرة فوق السماء السابعة وكانت الجنة عندها لزم أن تكون الجنة فوق السماء السابعة، وهو كذلك، وأعلاها وأوسطها الفردوس، - جعلنا الله من أهلها - فوقها عرش الرحمن جل وعلا، ولهذا قال تعالى: ﴿كلا إن كتاب الأَبرار لفي عليين﴾ وعليين مبالغة من العلو، يعني في أعلى الشيء، ﴿المأوى﴾ يعني المصير، مأوى من جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، يأوون إليها ويخلدون فيها، وأما النار فهي مأوى الكافرين والعياذ بالله، وفي هذا دليل واضح على أن غاية الخلائق الجن والإنس إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولا ثالث لهما، فالجن والإنس إما في النار وإما في الجنة، قال السفاريني - رحمه الله - في عقيدته:
وكل إنسان وكل جِنةٍ في دار نارٍ أو نعيم جنة
ويستفاد من قوله ﴿المأوى﴾ أن القبور ليست هي المأوى والمثوى، لأن القبور ممر ومعبر، إذ إن وراء القبور بعث، ويذكر أن بعض الأعراب في البادية سمع قارئاً يقرأ قول الله تعالى: ﴿ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر﴾ فقال الأعرابي بفطرته وعربيته: «والله ما الزائر بمقيم، وإن وراء ذلك شيئاً»، لأن الزائر يزور ويمشي، والقبور يمكث الناس فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى (١٧٣) ٢٧٩..