الصلاة والسلام لم يتغير عقله ولا اتزانه، بل كان على أكمل ما يكون الاتزان، وإلا فقد أسري به من المسجد الحرام من الحجر عند الكعبة - والحجر من الكعبة - أسري به من ذلك المكان إلى بيت المقدس مسيرة شهرين، في لحظة لأنه ركب البراق، والبراق دابة عظيمة قوية سريعة، خطوته مد بصره، وسريع جداً وصل إلى هناك وصلى بالأنبياء، ثم عُرج به إلى السماء، والسماء بعيدة جداً، ثم من سماء إلى سماء وتتلقاه الملائكة تسأل جبريل: من معك؟ فيقول: محمد، فيسألونه هل أرسله إلى الناس؟ فيقول: نعم، ثم يسلم على بعض من في السموات من أنبياء، ثم تفرض عليه الصلاة ويتردد بين الله عز وجل وموسى كل هذا وهو ثابت الجأش عليه الصلاة والسلام، وهذا شيء حقيقي هو بنفسه
عليه الصلاة والسلام صعد، ولهذا لما جاء وحدث الناس من الغد أنكرته قريش، لأنها تنكر ما لا يمكن في عقلها، وإنكار ما لا يمكن في العقل ليس خاصًّا بكفار قريش حتى فيمن ينتسب إلى هذه الأمة أنكروا من صفات الله ما أثبته الله لنفسه، لأنه على زعمهم لا يمكن في العقل، فقريش أنكرت هذا المعراج: ولو كان مناماً لم تنكره قريش، لأن المنامات يكون فيها مثل هذا، لكنه أمر حسي حقيقي أسري بالرسول عليه الصلاة والسلام بجسده وعُرج به في ليلة واحدة، وحصلت كل هذه الأمور ثم عاد إلى الأرض وصلى الفجر في مكة عليه الصلاة والسلام. ﴿لقد رأى من ءايات ربه الكبرى﴾، وفي هذا إشارة إلى أن آيات الله - عز وجل - منها الكبير ومنها ما دون ذلك، ولا نقول: منها الصغير. لأن الكبرى


الصفحة التالية
Icon