من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا} ﴿فأعرض﴾ الخطاب للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو المراد به كل من يصح أن يوجه إليه الخطاب، فعلى الأول يكون المعنى: أعرض يا محمد، وعلى الثاني يكون: أعرض أيها الإنسان المؤمن ﴿عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا﴾ يعني أعرض عنه لا تتبعه ولا يهمنك أمره، وليس المعنى: أعرض عنه لا تنصحه.
لأن التذكير واجب، قال الله تعالى: ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾ يعني ذكر كل أحد، فمن الناس من ينتفع، ومنهم لا ينتفع، والذي ينتفع هو المؤمن، فعلى هذا نقول معنى أعرض يعني لا تبالي به ولا يهمنك أمره، ولا تستحسر من أجل توليه، بل ادع إلى سبيل الله - عز وجل - أيا كان، لكن من أعرض وتولى لا يهمك أمره، ﴿عن ذكرنا﴾ هو القرآن، ويحتمل أن يكون الذكر بمعنى التذكير، أي عن تذكيرنا، وكلا المعنيين متلازمان صحيحان. لأن القرآن ذكر كما قال تعالى: ﴿وإنه لذكر لك ولقومك﴾ وقال تعالى: ﴿إن هو إلا ذكر وقرءان مبين﴾ أو المعنى ﴿عن ذكرنا﴾ أي: عن تذكيرنا بالمواعظ التي ينزلها الله - عز وجل - ﴿ولم يرد إلا الحياة الدنيا﴾ يعني لا يريد الآخرة ولا يهتم بها، بل همه الدنيا ما المركوب؟ وما الملبوس؟ وما المسكن؟ فلا يهتم بالآخرة، وأهم شيء عنده الدنيا، أما ذكر الله القرآن، أو تذكير الله فإنه متول عنه - والعياذ بالله - نسأل الله السلامة والعافية، والحياة الدنيا وصفها بالدنيا من الدنو وهو القرب، وذلك لانحطاط مرتبتها، ولسبقها على الآخرة، لأن الدار الدنيا هي أول دار ينزلها الإنسان، وهي سابقة