في الزمن على الآخرة، فهي دنيا قريبة، وهي أيضاً دنيا من حيث المرتبة، ليست بشيء بالنسبة للآخرة، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: «لموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها (١) »
فليست خيراً من الدنيا التي أنت فيها فقط؛ بل من الدنيا منذ أن خلقها الله إلى أن تفنى، موضع السوط الذي يكون بقدر المتر في الجنة خير من الدنيا وما فيها، إذاً هي دنيا حقيقة، ولهذا إذا مات الإنسان وهو مؤمن - جعلنا الله منهم - ثم حمل من بيته الذي يسكنه ويأوي إليه، وفيه أهله وماله وحشمه، إذا خرج تقول روحه: قدموني قدموني، لأن ما ستذهب إليه خير مما تخرج منه، قال الله تعالى: ﴿بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى﴾ لكن لمن؟ ﴿لمن اتقى﴾ لكنها شر لمن لم يتق، ويذكر أن ابن حجر - رحمه الله - وكان رئيس القضاء في مصر، مر يوماً من الأيام في موكبه على العربة تجرها البغال، وحوله الجنود برجل يهودي زيَّات يبيع الزيت، قد تدنست ثيابه بالزيت، وشقي في طلب المعيشة فأوقفه اليهودي وقال لابن حَجَر: إن نبيكم يزعم أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر! فكيف يتفق هذا الحديث مع الواقع، أنت الآن مؤمن وهو يهودي فأيهما الشقي؟ قال: نعم ما أنا فيه الآن بالنسبة للآخرة سجن، لأن الآخرة خير لمن اتقى، وما أنت فيه بالنسبة للآخرة جنة، لأن الآخرة ليس لك فيها إلا النار وبئس القرار، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فانظر كيف فتح الله عليه
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد، باب فضل رباط يوم في سبيل الله (٢٨٩٢)..