حيث ظهر صدق كلام الرسول عليه الصلاة والسلام بكل سهولة، فالآخرة خير من الدنيا وما فيها، ولهذا ذم الله تعالى الذي أعرض عن ذكر الله، ﴿ولم يرد إلا الحياة الدنيا﴾ ومن أراد الحياة الدنيا لن تحصل له قطعاً، قال الله تعالى: ﴿من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد﴾ أي: ما يشاء الله، لا ما يشاء هو ﴿ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذمومًا مدحورًا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورًا﴾.
وقال تعالى: ﴿من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه﴾ لأنه يعطى الدنيا والآخرة ﴿ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها﴾ أي بعضها وليس كلها ﴿وما له في الآخرة من نصيب﴾.
﴿ذلك مبلغهم من العلم﴾ والمشار إليه كونهم متولين معرضين، لا يريدون إلا الحياة الدنيا، يعني ذلك منتهى بلوغ علمهم، لأن علمهم قاصر، لا ينظرون إلى المستقبل، ولا يصدقون بخبر، فتجد أكبر همهم أن يصلحوا حالهم في الدنيا معرضين عن حالهم في الآخرة، وفي الدعاء المأثور: «اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا» (١)، ثم قال - عز وجل -: ﴿إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى﴾ هو أعلم - عز وجل - بمن ضل عن سبيله فعلاً، ومن سيضل، لأنه عالم بما كان وبما يكون، فقوله: ﴿بمن ضل﴾ لا تعني أنه لا يعلم إلا من حصل منه الضلال بالفعل بل هو يعلم من حصل منه الضلال
_________
(١) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب رقم ٧٩ (رقم ٣٥٠٢) وقال: هذا حديث حسن غريب.


الصفحة التالية
Icon