يكدي، أي: يمنع فلا يعطي شيئاً، لأنه ليس ينفق المال ابتغاء وجه الله، فلذلك كانت حاله بين أمرين: إما المن، أو الإعطاء قليلاً، قالوا: وأكدى مأخوذة من الكدية، وهي الصخرة الشديدة التي لا تتفتت إلا بالمعاول، فهذا الرجل ليس مطيعاً لله وليس نافعاً لعباد الله فهو متولٍ عن طاعة الله، وهو مانع فضل الله عز وجل، ولهذا يقول الله عز وجل: ﴿أفرأيت﴾ وهذا الاستخبار ليس لعدم علمه جل وعلا، ولكن لشحذ النفوس والهمم إلى الاستماع إلى ما يلقى، وهذا الذي أعطى قليلاً وأكدى، يزعم أنه إذا بعث فإنه سوف يعطي المال الكثير، وهذه عادة من ينكر البعث، كما في صاحب الجنة الذي قال: ﴿ولئن رددت إلى ربي لأَجدن خيراً منها منقلباً﴾ فهو يظن أنه سوف يمتع في الدنيا ويمتع في الآخرة أكثر وأكثر إن كان آمن بها، قال الله تعالى: ﴿أعنده علم الغيب فهو يرى﴾ وهذا الاستفهام استفهام استنكار بمعنى النفي، يعني ليس عنده علم الغيب، وهو يرى أنه سينتقل إلى دار أفضل من التي هو فيها، وعلى هذا فتكون الجملة جملة نفي، وليست جملة إثبات، وليست جملة استخبار، بل هي جملة نفي واستنكار، إذ لا أحد عنده علم الغيب، ولولا ما أخبر الله به من النعيم في الجنة والجحيم لأهل النار، ما علمنا بهذا شيء.
﴿أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى﴾ أم هنا للإضراب والمعنى بل: ﴿لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى﴾ ذكر موسى لأن موسى عليه السلام أفضل أنبياء بني إسرائيل والتوراة هي التي عليها عمدة ما نزل على بني إسرائيل. وصحف إبراهيم عليه


الصفحة التالية
Icon