والذكاء والعقل وغير ذلك، ولو كان الخلق هكذا فقط بدون إرجاع لكان هذا منافٍ للحكمة تماماً، لكن لابد من رجوع، ولهذا قال: ﴿وأن عليه تصدى﴾ وعلى تفيد الوجوب، فيكون الله أوجب على نفسه أن ينشأ الناس مرة أخرى، ولا مانع من أن الله يفرض على نفسه ما شاء، كما قال تعالى: ﴿كتب ربكم على نفسه الرحمة﴾ أي: أوجب على نفسه الرحمة، كذلك هنا قال: ﴿وأن عليه النشأة الأُخرى﴾ أي أن الله أوجب على نفسه أن ينشىء الناس نشأة أخرى للجزاء، كل بحسب عمله، والنشأة الأخرى تفيد بأن هناك نشأة قبل وهي النشأة الأولى، وهي خلق الناس فابتداء خلق الناس من عند الله - عز وجل - وفي قوله: ﴿الأُخرى﴾ فائدة عظيمة وهي الإشارة إلى أن القادر على الأولى قادر على الآخرة، والنشأة الآخرة أهون من الأولى، كما قال الله عز وجل: ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه﴾ والهين يختلف باعتبار ذاته لا باعتبار قدرة الله فإنها لا تختلف: كن.
فيكون، سواء كان أعلى شيء أو أدنى شيء، لكن بالنسبة للمقدور عليه الإعادة أهون، أما بالنسبة لقدرة الله فكلها واحد، لأن المسألة لا تعدو أن يقول: كن. فيكون، وبهذا نعرف أن بعض المفسرين - رحمهم الله وعفا عنهم - قالوا في قوله: ﴿وهو أهون عليه﴾ (أي: وهو هين عليه) وهذا غلط، كيف يقول الله عن نفسه ﴿وهو أهون عليه﴾ ويقول: وهو هين، لكن نقول الهون له نسبتان: نسبة للمفعول، ونسبة للفاعل، بالنسبة للفاعل هما سواء، لأن كل شيء منهما يتكون بكلمة واحدة كن فيكون، وبالنسبة للمفعول


الصفحة التالية
Icon