لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذنهم} حتى لا يسمعوا ﴿واستغشوا ثيابهم﴾ تغطوا بها حتى لا يبصروا، وهذا يدل على شدة كراهتهم لما يدعوهم إليه عليه الصلاة والسلام، ﴿واستكبروا استكباراً﴾ أي: استكباراً عظيماً فلم يخضعوا لعبادة الله - عز وجل -، فكانوا أظلم وأطغى من عاد ومن ثمود.
وعلى القول الثاني: إن الضمير يعود على كل هؤلاء الأمم، يكون المعنى: أن هؤلاء كانوا أظلم وأطغى من قريش الذين كذبوك يا محمد، فيكون في هذا تسلية للرسول ﷺ بأن الله أهلك هؤلاء القوم مع أنهم أظلم وأطغى من قومك، والذي أهلك من سبق قادر على أن يهلك من لحق، وكلا المعنيين صحيح، فهؤلاء الأمم أظلم وأطغى من قريش، وقوم نوح أظلم وأطغى من عاد وثمود، ثم قال - عز وجل -: ﴿والمؤتفكة أهوى﴾ أي: أسقط، والمؤتفكة هي قرى قوم لوط، وأهوى بمعنى أنزل، واختلف المفسرون في قوله ﴿أهوى﴾ هل المعنى أنه أهوى بها من فوق إلى أسفل بناءً على أن الله تعالى رفع هذه القرى إلى فوق ثم قلبها. أو أن المعنى أنه أهوى أسقطها، أي: أرسل عليها الحجارة حتى تهدم البناء فصار أعلى البناء أسفله، المهم أن الله تعالى أخبر عن قوم لوط بأنه أهواهم أي أسقطهم، سواء من الجو، أو من سقوط أعلى البناء على أسفله (١) ﴿فغشاها﴾ أي: غطاها، ﴿ما غشى﴾ مبهم للتعظيم والتفخيم، كقوله تعالى: ﴿فغشيهم من اليم ما غشيهم﴾ أي غشيهم شيء عظيم، فالإبهام أحياناً يراد به
_________
(١) انظر وفقك الله تفسير فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى لسورة الصافات ص (٢٨٩).


الصفحة التالية
Icon