قول الله - تبارك وتعالى -: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأَمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإِيمان وزينه في قلوبكم﴾ هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيببوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين واعلموا أن فيكم رسول الله﴾ وسبب ما سبق أن النبي ﷺ بلغه عن قوم ما ليس فيهم، فأمر الله تعالى بالتأكد من الأخبار إذا جاء بها من لا تُعرف عدالته، وكأن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - أرادوا من النبي ﷺ أن يُعاقب هؤلاء الذين بلغه عنهم ما بلغه (١)،
ولكن النبي ﷺ لم يفعل بعد أن نزلت عليه الآية: ﴿إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا﴾ ولكن العبرة بعموم اللفظ وقوله: ﴿واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأَمر لعنتم﴾ أي لشق عليكم ما تطلبونه من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا له أمثلة كثيرة منها: أن النبي ﷺ قام بأصحابه في رمضان يصلي بهم صلاة القيام فانصرفوا وقد بقي من الليل ما بقي، وقالوا: يا رسول الله، لو نفلتنا بقية ليلتنا - يعني طلبوا منه أن يقوم بهم كل الليل - ولكنه ﷺ قال لهم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة» (٢) ولم يوافقهم على طلبهم، لما في ذلك من العنت والمشقة، ومنها أن نفراً من أصحاب النبي صلى
_________
(١) انظر تفسير ابن كثير (سورة الحجرات).
(٢) أخرجه أبو داود، كتاب شهر رمضان، باب في قيام شهر رمضان (١٣٧٥) والترمذي، كتاب الصوم، باب ما جاء في قيام شهر رمضان (٨٠٦) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب قيام شهر رمضان (١٣٢٧)


الصفحة التالية
Icon