الضمير على مثنى؛ مراعاة للمعنى، وإلا لكان مقتضى اللغة أن يقول: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلا)، ليطابق الضمير مرجعه لكنه عاد إليه بالمعنى.
والاقتتال بين المؤمنين له أسباب متعددة، والشيطان قد يئس أن يُعبد في جزيرة العرب، ولكنه رضي في التحريش بينهم (١)، يحرش بينهم حتى يكون بعضهم يقتل بعضاً، فإذا حصل الاقتتال فالواجب على المؤمنين الآخرين الصلح بينهما، ولهذا قال: ﴿فأصلحوا بينهما﴾، أي اسعوا إلى الصلح بكل وسيلة حتى ولو كان ببذل المال، والتنازل عن الحق لأحدهما عن الآخر؛ لأن الصلح لابد فيه من أن يتنازل أحد الطرفين عما يريد من كمال حقه، وإلا لما تم الصلح، ولهذا لما قال الله تعالى: ﴿والصلح خير﴾ وقال: ﴿وأحضرت الأنفس الشح﴾.
لأن كل إنسان يريد أن يتم قوله فلابد من التنازل، فإذا أصلحنا بينهما ثم حصل بغي قال الله عز وجل: ﴿فإن بغت إحداهما على الأُخرى فقاتلوا التى تبغى﴾ يعني لو فرض أنه بعد الصلح عادت إحدى الطائفتين تقاتل الأخرى فهنا لا صلح، بل نقاتل التي تبغي ﴿حتى تفيء إلى أمر الله﴾ أي ترجع إليه، وأمر الله يعني دينه وشرعه، فانظر في أول الأمر الإصلاح، فإذا تم الصلح وبغت إحداهما على الأخرى، وجب أن نساعد المبغي عليها، فنقاتل معها ﴿فإن فاءت﴾ فإنه يجب الكف عن قتالهم، ولا يجوز أن نجهز على جريح، ولا أن نتبع مدبراً، ولا أن نسلب مالاً
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس... (٢٨١٢).


الصفحة التالية
Icon