للفضل لنفسه، قال: اليوم أسبق أبا بكر، فجاء بنصف ماله لينفقه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: يا عمر، «ماذا تركت لأهلك» ؟ قال: تركت لهم الشطر، يعني النصف، وجاء أبو بكر فقال: «ما تركت لأهلك» ؟ قال: تركت لهم الله ورسوله، أي أتى بكل ماله، فقال عمر: - رضي الله عنه - والله لا أسابقك على شيء بعد هذا (١)، عرف أنه يعجز أن يسبق أبا بكر، والشاهد من هذا الحديث أن أبا بكر - رضي الله عنه - تصدق بجميع ماله، فإذا رأى الإنسان المصلحة في أن يتصدق بجميع ماله، وأن عنده من قوة التوكل والاعتماد على الله واكتساب الرزق ما يمكنه أن يسترد شيئاً من المال لأهله ونفسه، فحينئذ نقول: تصدق بجميع مالك، وإذا كان الأمر بالعكس فكان رجلاً أخرق لا يعرف أن يكتسب، وليس هناك داع أن ينفق كثيراً، فهنا نقول: الأولى أن تنفق بعض المال، وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي للإنسان أن يحقق إيمانه ويثبته، وكلما رأى فيه تزعزعاً استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ومضى إلى سبيله، وأن ينفق من المال، والمال محبوب قال الله تعالى: ﴿وتحبون المال حباً جماً﴾ وقال - عز وجل -: ﴿وإنه لحب الخير لشديد﴾ ولا يمكن أن يبذل الإنسان شيئاً محبوباً إليه إلا لما هو أحب، فإذا بذل الإنسان المحبوب إليه ابتغاءً لرضوان الله، علمنا أن الرجل يحب رضوان الله أكثر من المال، وبذلك يتحقق الإيمان، أسأل الله تعالى أن يجعلنا من ذوي العلم الراسخ
_________
(١) أخرجه الترمذي، كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما (رقم ٣٦٧٥) وقال: هذا حديث حسن صحيح.