يقول ابن عمر: فوقع في قلبي أنها النخلة، لكني كنت أصغر القوم - يعني فاستحيا أن يتكلم وهو أصغرهم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» (١)
وهي الشجرة المذكورة في قول الله تعالى: ﴿ضرب الله مثلاً كلمةً طيبةً كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء﴾ فلهذا خصها هنا بالذكر فقال: ﴿والنخل باسقات﴾ أي عاليات ﴿لها طلع نضيد﴾ أي منضود، فالطلع في شماريخه تجده منضوداً من أحسن ما يكون النضد، ومع ذلك تجد هذه الثمرات تسقى بالشمراخ الدقيق اللين مع أنه قد يكون فيه أحياناً أكثر من ثلاثين حبة. ﴿رزقاً للعباد﴾ أي فعلنا ذلك، أنزلنا من السماء ماءً فأنبتنا به جنات وحب الحصيد، والنخل باسقات. فعلنا ذلك رزقاً للعباد أي عطاءً وفضلاً للعباد، والعباد هنا يشمل العباد المؤمنين والعباد الكافرين؛ لأن الكافر عبد لله كما قال الله تعالى: ﴿إن كل من في السماوات والأَرض إلا آتى الرحمن عبداً﴾.
والمراد هنا العبودية الكونية القدرية، أما العبودية الشرعية فلا يكون عبداً لله إلا من كان ممتثلاً لأمره، مجتنباً لنهيه، مصدقاً بخبره، ﴿وأحيينا به بلدةً ميتاً﴾ أحيينا بالماء الذي ننزله من السماء بلدة ميتة، ﴿بلدةً﴾ لما كانت مؤنثة اللفظ، مذكرة المعنى، صح أن توصف بوصف مذكر، ﴿بلدةً ميتاً﴾ أي بلد ميت، أحياه بهذا الماء الذي نزل من السماء، تجد الأرض هامدة خاشعة ليس فيها نبات، فإذا أنزل الله المطر عجت بالنبات واخضرت وازدهرت، فهذه حياة بعد الموت
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب العلم، باب قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا وأنبأنا (٦١) ومسلم، كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب مثل المؤمن مثل النخلة (٢٨١١)..