السحرة في مصر، واجتمعوا وألقوا الحبال والعصي، وألقوا عليها السحر فصار الناس يشاهدون هذه الحبال والعصي وكأنها حيات وثعابين، ورهب الناس كما قال الله تعالى: ﴿واسترهبوهم وجاءو بسحر عظيم﴾.
حتى إن موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة؛ لأنه شاهد أن كل الجو حوله ثعابين تريد أن تلتهم ما تقابله، فأوحى الله إلى موسى أن ألقِ عصاك، فألقى العصا فالتهمت جميع هذه الحيات، وهذا من آيات الله، إذ إن الحية كما هو معروف ليست بذات الكبر لكي تأكل هذا، وكان هذا يذهب بخاراً، إذا أكلت هذه الحبال والعصي، فالسحرة رأوا أمراً أدهشهم ولم يملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا مع ذلك إيماناً تامًّا ﴿وألقى السحرة ساجدين﴾، وتأمل قوله تعالى: ﴿وألقى السحرة ساجدين﴾ ولم يقل سجدوا، كأن شيئاً اضطرهم إلى السجود، كأنهم سجدوا بغير اختيار لقوة ما رأوا من الآية العظيمة، ومع هذه الآية البينة الواضحة على صدق موسى عليه الصلاة والسلام لم يؤمن فرعون بل قال: ﴿إن هؤلآء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغآئظون﴾، فهمّ بأن يهجم على موسى ومن معه من المؤمنين، فأمر الله موسى أن يخرج من مصر إلى جهة المشرق نحو البحر الأحمر، فامتثل أمر الله، وخرج من مصر إلى هذه الناحية، فتبعهم فرعون بجنوده على حنق، يريد أن يقضي على موسى وقومه، فلما وصلوا إلى البحر قال قوم موسى له: ﴿إنا لمدركون﴾. ﴿قال كلا﴾ يعني لن ندرك ﴿إن معى ربي سيهدين﴾ فأوحى الله إليه أن يضرب بعصاه البحر، البحر الذي