تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (١). فهذا قربٌ في حال الدعاء، مصداق ذلك قوله تعالى: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لى وليؤمنوا بى لعلهم يرشدون﴾. كذلك هو قريب من المؤمن في حال السجود، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» (٢). وعلى هذا فيكون المؤمن قريباً من الله تعالى حال عبادته لربه، وحال دعائه لربه، أما القرب العام فإن المراد به القرب بالملائكة على القول الراجح.
وقوله: ﴿إذ يتلقى المتلقيان﴾ هما ملكان بين الله مكانهما من العبد، فقال: ﴿عن اليمين وعن الشمال قعيد﴾، ولم يقل على اليمين وعلى الشمال، لأنهما ليسا على كتفيه، بل هما في مكان قريب، أقرب من حبل الوريد، ولكن قد يقول قائل ملحد: أنا ألتمس حولي لا ألمس أحداً، أين القعيد؟ فنقول: هذا من علم الغيب الذي لا تدركه عقولنا، وعلينا أن نصدق به ونؤمن به، كما لو لمسناه بأيدينا، أو شاهدناه بأعيننا، أو غير ذلك من أدوات الحس، علينا أن نؤمن بذلك، لأنه قول الله - عز وجل - ﴿عن اليمين وعن الشمال قعيد﴾، قاعد مستقر، أحدهما يكتب الحسنات، والثاني يكتب السيئات، هذا المكتوب عرضة للمحو والإثبات، لأن المكتوب الذي بأيدي الملائكة عرضة للمحو والإثبات لقول الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم
_________
(١) أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب استحباب خفض الصوت بالذكر (٢٧٠٤) (٤٦).
(٢) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود (٤٨٢).


الصفحة التالية
Icon