له: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكبّ الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم» (١) فالمؤمن يجب أن يحذر لسانه فإنه آفة عظيمة، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» (٢).
وحينئذ نعرف أن الصمت مفضّل على الكلام؛ لأن الكلام قد لا يدري الإنسان أخيراً هو أم شراً، ثم إني أقول: الكلمة إذا أطلقتها وخرجت من فمك فهي كالرصاصة تطلقها، لا يمكنك أن تمنعها إذا خرجت من فوهة البندقية، إذا انطلقت تفسد أو تصلح، كذلك الكلمة، فالعاقل يمنع لسانه ولا يتكلم إلا بخير، والخير إما في ذات المتكلم به، وإما في غيره، يعني قد يكون الكلام ليس خيراً لا بنفسه، لكنه خير من جهة آثاره، قد يتكلم الإنسان بكلام لغو ليس أمراً بالمعروف ولا نهياً عن منكر، وليس إثماً ووزراً، لكن يتكلم من أجل أن يفتح الباب للحاضرين، لأنه أحياناً تستولي على المجلس الهيبة ولا أحد يتكلم، فيبقى الناس كلهم في غم، فيتكلم من أجل أن يفتح الباب للناس، وتنشرح صدورهم، ويحصل تبادل الكلام الذي قد يكون نافعاً، نقول: هذا الكلام الذي تكلم وفتح به باب الكلام وأزال عن الناس الغم يعتبر خيراً لغيره، وهذا داخل إن شاءالله في قول الرسول عليه الصلاة
_________
(١) أخرجه الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة (٢٦١٦) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره (٦٠١٨، ٦٠١٩) ومسلم، كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت (٤٧).


الصفحة التالية
Icon