ملاقاته، ولهذا قال: ﴿فإنه ملقيكم﴾ وفي الآية الأخرى: ﴿أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة﴾، لأنه ذكر في هذه الآية أن الإنسان مهما كان في تحصنه فإن الموت سوف يدركه على كل حال، وهنا يقول تعالى: ﴿ذلك ما كنت منه تحيد﴾، وعلى المعنى الثاني، أي: ذلك الذي كنت تحيد منه وتفر منه في حياتك، قد وصلك وأدركك، وعلى كل حال ففي الآية التحذير من التهاون بالأعمال الصالحة، والتكاسل عن التوبة، وأن الإنسان يجب أن يبادر، لأنه لا يدري متى يأتيه الموت، ثم قال: ﴿ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد﴾ النافخ في الصور هو ملك، وَكَّله الله تعالى به يسمى إسرافيل، والنفخ في الصور نفختان:
الأولى: نفخة الصعق فيسبقها فزع، ثم صعق.
والثانية: نفخة البعث. وبينهما أربعون، وقد سئل أبو هريرة راوي الحديث: ما المراد بالأربعين؟ فقال: أبيت (١). أي أني لا أدري ما المراد بالأربعين التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، المهم أن المراد بقوله: ﴿ونفخ في الصور﴾ النفخة الثانية بدليل قوله: ﴿ذلك يوم الوعيد﴾ وهذا يعني أنه بهذه النفخة صار يوم القيامة الذي هو يوم الوعيد.
فإن قال قائل: يوم القيامة يوم الوعيد للكفار، ويوم الوعد للمؤمنين، فلماذا ذكر الله تعالى هنا الوعيد دون الوعد؟
فالجواب: لأن السورة كلها مبدوءة بتكذيب المكذبين
_________
(١) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب ﴿يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً﴾ (رقم ٤٩٣٥)، ومسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ما بين النفختين (رقم ٢٩٥٥).


الصفحة التالية
Icon