حاله إذا كانت الروح في البدن، فإذا كانت الروح في البدن يعاني من المشقة والمشاكل والهواجيس والوساوس أشياء تطيل عليه الزمن، لكن في النوم يتقلص الزمن كثيراً، في الموت يتقلص أكثر وأكثر، فهؤلاء الذين ماتوا منذ سنين طويلة كأنهم لم يموتوا إلا اليوم فلو بعثوا وقيل لهم كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، وهذه مسألة قد يرد على الإنسان فيها إشكال، ولكن لا إشكال في الموضوع مهما طالت المدة بأهل القبور فإنها قصيرة، ولهذا قال: ﴿فملاقيه﴾ (بالفاء) الدالة على الترتيب والتعقيب، وما أسرع أن تلاقي الله عز وجل.
ثم قسم الله عز وجل الناس عند ملاقاته تعالى إلى قسمين: منهم من يأخذ كتابه بيمينه، ومنهم من يأخذ كتابه من وراء ظهره، ﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه. فسوف يحاسب حساباً يسيراً﴾ لما ذكر أن الإنسان كادح إلى ربه ﴿كادحاً﴾ أي عامل بجد ونشاط وأن عمله هذا ينتهي إلى الله عز وجل كما قال الله تعالى: ﴿ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله﴾ [هود: ١٢٣]. لما ذكر هذا قال: ﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه﴾، إشارة إلى أن هؤلاء العاملين منهم من يؤتى كتابه بيمينه، ومنهم من يؤتى كتابه من وراء ظهره ﴿فأما من أوتي كتابه بيمينه﴾ و ﴿أوتي﴾ هنا فعل مبني لما لم يسم فاعله، فمن الذي يؤتيه؟ يحتمل أنه الملائكة، أو غير ذلك لا ندري، المهم أنه يعطى كتابه بيمينه أي يستلمه باليمنى. ﴿فسوف يحاسب حساباً يسيراً﴾ أي يحاسبه الله تعالى بإحصاء عمله عليه، لكنه حساب يسير، ليس فيه أي عسر كما جاءت بذلك السنة: أن الله عز وجل يخلو بعبده المؤمن، ويقرره بذنوبه، فيقول: عملت كذا، عملت كذا، عملت كذا، ويقر بذلك ولا ينكر فيقول الله تعالى: «قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك