وما أدراك ما قوة الملائكة؟ قوة ليست كقوة البشر، ولا كقوة الجن بل هي أعظم وأعظم بكثير، ولهذا لما قال عفريت من الجن لسليمان ﴿أنا آتيك به﴾ بعرش بلقيس ﴿قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين. قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرًّا عنده﴾ [النمل: ٣٩، ٤٠].
قال العلماء: لأن الرجل هذا دعا الله، فحملته الملائكة من اليمن فجاءت به إلى سليمان في الشام، فقوة الملائكة عظيمة، وهم يجرون هذه النار بسبعين ألف زمام، كل زمام يجره سبعون ألف ملك، إذاً هي عظيمة، هذه النار إذا رأت أهلها من مكان بعيد، سمعوا لها تغيظاً وزفيراً، وليست كزفير الطائرات أو المعدات، زفير تنخلع منه القلوب، ﴿كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير﴾ [الملك: ٨]. وقال الله عز وجل: ﴿تكاد تميز من الغيظ﴾ تكاد تقطع من شدة الغيظ على أهلها، فلهذا أنذرنا الله تعالى منها فهذه ثلاثة أمور كلها إنذار: مجيء الرب جل جلاله، صفوف الملائكة، الثالث: الإتيان بجهنم. ﴿يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى﴾ يعني إذا جاء الله في يوم القيامة، وجاء الملك الملائكة صفوفاً صفوفاً، وأحاطوا بالخلق، وحصلت الأهوال والأفزاع يتذكر الإنسان، يتذكر أنه وعد بهذا اليوم، وأنه أعلم به من قبل الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنذروا وخوفوا، ولكن من حقت عليه كلمة العذاب فإنه لا يؤمن ولو جاءته كل آية، حينئذ يتذكر لكن يقول الله عز وجل ﴿وأنى له الذكرى﴾ أين يكون له الذكرى في هذا اليوم الذي رأى فيه ما أخبر عنه يقيناً؟! وأنى له الاتعاظ فات الأوان؟! والإيمان عن مشاهدة لا ينفع لأن كل إنسان يؤمن بما شاهد، الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب ﴿الذين يؤمنون بالغيب﴾ [البقرة: ٣].
فيصدق بما


الصفحة التالية
Icon