أكثر من قبيلتك وإذا شئت فاذهب إلى القبور عد القبور منا، وعد القبور منكم فأينا أكثر؟ لكن هذا قول ضعيف بعيد من سياق الآية. والمعنى الأول هو الصحيح أنكم تتكاثرون إلى أن تموتوا. وقوله: ﴿حتى زرتم المقابر﴾ استدل به عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ على أن الزائر لابد أن يرجع إلى وطنه، وأن القبور ليست بدار إقامة، وكذلك يذكر عن بعض الأعراب أنه سمع قارىء يقرأ: ﴿ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر﴾ فقال: «والله ما الزائر بمقيم والله لنبعثن»، لأن الزائر كما هو معروف يزور ويرجع، فقال: والله لنبعثن. وهذا هو الحق. وبهذا نعرف أن ما يذكره بعض الناس الآن في الجرائد وغيرها. يقول عن الرجل إذا مات: «إنه انتقل إلى مثواه الأخير»، إن هذا كلام باطل وكذب؛ لأن القبور ليس هي المثوى الخير، بل لو أن الإنسان اعتقد مدلول هذا اللفظ لصار كافراً بالبعث، والكفر بالبعث ردة عن الإسلام، لكن كثيًرا من الناس يأخذون الكلمات ولا يدرون ما معناها، ولعل هذه موروثة عن الملحدين الذين لا يقرون بالبعث بعد الموت، لهذا يجب تجنب هذه العبارة، فلا يقال عن القبر إنه المثوى الأخير؛ لأن المثوى الأخير إما الجنة، وإما النار في يوم القيامة (١). ثم قال الله تعالى: ﴿كلا سوف تعلمون. ثم كلا سوف تعلمون﴾ قيل: إن ﴿كلا﴾ بمعنى الردع يعني: ارتدعوا عن هذا التكاثر، وقيل: إنها بمعنى حقًّا، ومعنى ﴿سوف تعلمون﴾ أي: سوف تعلمون عاقبة أمركم إذا رجعتم إلى الآخرة، وأن هذا التكاثر لا ينفعكم.
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رواه مسلم «يقول ابن آدم: مالي ومالي ـ يعني: يفتخر به ـ وليس لك من مالك إلا ما
_________
(١) انظر مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ رحمه الله (٣/١٣٣) فتوى رقم ٢٠٥.