إسلام هؤلاء العظماء (١) وكأنه خاف أن هؤلاء العظماء يزدرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا وجه وجهه لهذا الرجل الأعمى وأعرض عن هؤلاء العظماء، كما قال قوم نوح: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) (٢٧) فكان النبي عليه الصلاة والسلام في عبوسه وتوليه يلاحظ هذين الأمرين. الأمر الأول: الرجاء في إسلام هؤلاء العظماء. والأمر الثاني: ألا يزدروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كونه يلتفت إلى هذا الرجل الأعمى الذي هو محتقر عندهم، ولا شك أن هذا اجتهاد من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليس احتقاراً لابن أم مكتوم؛ لأننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يهمه إلا أن تنتشر دعوة الحق بين عباد الله، وأن الناس عنده سواء بل من كان أشد إقبالاً على الإسلام فهو أحب إليه.
هذا ما نعتقده في رسول الله ﷺ ﴿وما يدريك﴾ أي: أي شيء يريبك أن يتزكى هذا الرجل ويقوي إيمانه. ﴿لعله﴾ أي لعل ابن أم مكتوم ﴿يزكى﴾ أي يتطهر من الذنوب والأخلاق التي لا تليق بأمثاله، فإذا كان هذا هو المرجو منه فإنه أحق أن يلتفت إليه. ﴿أو يذكر فتنفعه الذكرى﴾ يعني وما يدريك لعله يذكر أي يتعظ فتنفعه الموعظة فإنه رضي الله عنه أرجى من هؤلاء أن يتعظ ويتذكر. ﴿أما من استغنى﴾ يعني استغنى بماله لكثرته، واستغنى بجاهه لقوته وهم العظماء الذين عند رسول الله صلى الله عليه سلم فهذا ﴿فأنت له تصدى﴾ أي تتعرض وتطلب إقباله عليك وتقبل عليه. ﴿وما عليك ألا يزكى﴾ يعني ليس عليك شيء إذا لم يتزكى هذا المستغني؛ لأنه ليس عليك إلا البلاغ، فبيّن الله سبحانه وتعالى أن ابن أم مكتوم رضي الله عنه أقرب إلى التزكي من هؤلاء العظماء، وأن هؤلاء إذا لم يتزكوا مع إقبال الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم فإنه ليس عليه منهم شيء. ﴿وما عليك ألا يزكى﴾ يعني ليس عليك شيء إذا لم يتزكى لأن إثمه عليه وليس عليك
_________
(١) أخرجه الترمزي، أبواب تفسير القرءان، باب سورة عبس (٣٣٣١).


الصفحة التالية
Icon