فرد الله عليهم قولَهم: ﴿نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١١] فقال: ﴿أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾ [البقرة: ١٢]، قال الزجاج: ألا: كلمة يُبتدأ بها، يُنبَّه بها المخاطب ليُدَلَّ على صحة ما بعدها، وهم لتأكيد الكلام.
والمعنى: هم المفسدون أنفسَهم بالكفر، والناسَ بالتعويق عن الإيمان، ولكن لا يشعرون لا يعلمون أنهم مفسدون، لأنهم يظنون أن الذي هم عليه من إبطان الكفر صلاحٌ.
ولكنْ: معناها استدراك بإيجاب بعد نفي، أو نفي بعد إيجاب كالتي فِي هذه الآية، لأنه إذا قيل: هم المفسدون سبق إلى الوهم أنهم يفعلون ذلك من حيث يشعرون، فقال: ولكن لا يشعرون فاستدرك بالنفي بعد الإيجاب.
قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٣] الآية، قال جميع المفسرين: المراد بالناس فِي هذه الآية أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والذين آمنوا به.
والمعنى: وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: آمنوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما آمن أصحابه.
قال ابن عباس: يريد المهاجرين والأنصار.
﴿قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ [البقرة: ١٣] الألف فِي أنؤمن استفهام معناه: الجحد والإنكار، أي: لا نفعل كما فعلوا، والسفهاء: الجهال الذين قلت عقولهم، جمع السفيه، ومصدره: السَّفَهُ، والسَّفاهة والسفاه.
قال أهل اللغة: معنى السفه: الخفة، والسفيه: الخفيف العقل، ولهذا سمى الله تعالى الصبيان والنساء سفهاء فِي قوله: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ [النساء: ٥]، لجهلهم وخفة عقلهم.
وعنوا ب السفهاء: أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال ابن عباس: قالوا: أولئك سفهاؤنا.
فإن قيل: كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم ﴿أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ [البقرة: ١٣] ؟ قيل: إنهم كانوا يظهرون هذا القول فيما بينهم، لا عند المؤمنين، فأخبر الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمؤمنين.