القصوى وهي تأنيث الأقصى، وما كان من النعوت على فعلي من بنات الواو فإن العرب تحوله إلى الياء، نحو الدنيا من دنوت، والعليا من علوت لأنهم يستثقلون الواو مع ضم الأول، وليس في هذا اختلاف إلا أن أهل الحجاز قالوا: القصوى فأظهروا الواو، وهو نادر وغيرهم يقولون القصيا، قال المفسرون: إذ أنتم نزول بشفير الوادي الأدنى في المدينة، وعدوكم نزول بشفير الوادي الأقصى إلى مكة، وكان الجمعان قد نزلا الوادي الذي ببدر على هذه الصفة.
والركب جمع راكب يعني: العير، أبا سفيان وأصحابه، أسفل منكم في موضع أسفل منكم إلى ساحل البحر، ولو تواعدتم للقتال، ﴿لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ﴾ [الأنفال: ٤٢] لكثرتهم وقلتكم، ولكن جمعكم الله من غير ميعاد، ﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا﴾ [الأنفال: ٤٢] أي: في علمه وحكمه، وهو أنه أراد أن يعز الإسلام وأهله ويذل الشرك وأهله.
﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: ٤٢] أكثر أهل العلم على أن المراد بالهلاك ههنا الكفر والضلال، وبالحياة الاهتداء والدين، والمعنى: ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه فقطعت عذره، ويؤمن من آمن على مثل ذلك، وهو قوله: ﴿وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ﴾ [الأنفال: ٤٢] لدعائكم، ﴿عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤٢] بنياتكم.
قوله: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا﴾ [الأنفال: ٤٣] أي: في عينك التي هي موضع النوم، قال ابن عباس: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلا﴾ [الأنفال: ٤٣] أي: لتحتكرهم وتجترئ عليهم، ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ﴾ [الأنفال: ٤٣] لجبنتم وتأخرتم عن حربهم، ﴿وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ﴾ [الأنفال: ٤٣] اختلفتم فيما بينكم ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ﴾ [الأنفال: ٤٣] سلمكم من المخالفة والفشل، ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الأنفال: ٤٣] قال ابن عباس: علم ما في صدوركم من الحب لله.
﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا﴾ [الأنفال: ٤٤] قال مقاتل: لما التقوا قلل الله المشركين في أعين المسلمين.
قال ابن مسعود: لقد قللوا في أعيننا ببدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائة، وأسرنا رجلا، فقلنا: كم أنتم؟ قال: ألف.
وقوله: ﴿وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ [الأنفال: ٤٤] قال ابن عباس: ليجترئوا عليكم بالقتال ولا تنهزموا.
وقال الكلبي: استقل المؤمنون المشركين ليجترئ يعضهم على بعض.
﴿لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا﴾ [الأنفال: ٤٤] من نصر المسلمين على المشركين، ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ﴾ [الأنفال: ٤٤] قال ابن عباس: وبعد هذا مصيركم إلي، فأكرم أوليائي وأعاقب أعدائي.
﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {٤٥﴾ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٤٦﴾ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ


الصفحة التالية
Icon